|
| ولا تلبسوا الحق بالباطل | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ام علي نائبة المديره
بلد الإقامه : مصر علم بلادي : عدد المساهمات : 7341 نقاط : 9788 التقييم : 140 تاريخ التسجيل : 24/05/2011 العمر : 42 المزاج : الحمد لله
| موضوع: ولا تلبسوا الحق بالباطل الثلاثاء نوفمبر 15, 2011 12:28 pm | |
| ولا تلبسوا الحق بالباطل
الحمد لله رب العالمين وصلي الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.. أمــا بعـد:
فإن الله عز وجل خلق الخلق من الجـــن والإنس لـغــايــة عظيمة، وهي عبادته سـبحانـه وتوحيده والإخلاص له وحده لا شريك له، قال تعالى: ((ومــــا خلقـت الجن والإنـس إلا ليعبدون))[الذاريات: 56]، ومن أجل ذلك أنزل سبحانه الكتب وأرســـل الـرســل، وزود عـبـــــاده بالعقول التي تميز الخير من الشر والحق من الباطل، وتكفل سبحانه بالعــــون والتوفيق لمن أراد الهدى والحق فدله إليه ورزقه الانقياد له، وتخلى عمن أعرض عن الحق فلم يقبل به، ولم يستسلم ويخضع له، وكل هذا من الابتلاء الذي خلق الله سبحانه الموت والحـيــاة من أجله، قال تعالى: ((الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاْ وهو العزيز الغفور))[الملك: 2].
وانقسم الناس إثر ذلك إلى مؤمنين موحدين مدركين للغاية التي من أجلها خلقوا، فـصارت دوافعهم كلها في مرضاة الله سبحانه، وسخروا كل ما آتاهم الله في هذه الدنيا لخدمـة هذه الغاية الـشـريـفــــة لـنـيـل مرضاة الله سبحانه وتعالى، فعملوا للآخرة والفوز برضـوان الله والجنة، ومن الناس من أمـضـى حياته في اللهو واللعب وإيثار الحياة الدنيا، وجـعـل هذه الدنيا همه وغايته واتبع هواه، فخسر الدنيا والآخرة، ألا ذلك هو الخسران المبين.
ثم إن الفئة المؤمنة لم تسلم كذلك من الفتن، وكيف لا يكون ذلك وعدوها الشيطان الرجـيم متربص بها لا يفتأ يضلها ويزين لها ويخدعها؟ يقول الله عز وجل عن إبليس اللعين: ((قــال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيـمـانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين))[الأعراف: 16، 17]، وقال تعالى: ((قال رب بما أغويتني لأزينن لـهــم فـي الأرض ولأغـــوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين))[الحجر: 39، 40]. أحـابيل الشـيطان:
إن من أعظم الفتن التي يفتن الشيطان بها العباد، فتنة التزيين ولبس الحق بالباطل واتباع الهوى في ذلك، ولـقـد وقع في هذا الشَرَك الخطير كثير من الناس وبخاصة في زماننا هذا، حيث تموج الفتن موج البحر، وحيث كثر الخداع والنفاق والدجل والرياء.
نعم إننا في زمان اشــتـدت فـيه غـربة الإسـلام، وضُلل كثير من الناس وتمكن الشيطان من كثير منهم تمكناً يظـنـون معه أنهم بمنأى عن عدوهم الـلــــدود وعلى صلة بربهم سبحانه وتعالى، وما ذلك إلا بسبب الـتـبــاس الحق بالباطل والجهل بالعلم ولتعاون شياطين الجن والإنس ((يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراْ))[الأنعام: 112]، فتعاونوا في وضع هذا التلبيس في قوالب من الأقوال مـزخـرفــة، وألفاظ من القول خادعة، وتسمية للأشـياء بـغـير أسـمائها فَضَلّ بسبب ذلك كثير من الـنـاس، والعاقل منهم من وقف حائراً لا يدري أيــن وجـهـة الحق فيما يسمع ويرى من التناقضات وتبرير الـمـواقـف الـخــاطئة المخالفة للشريعة، بسبب استيلاء الهوى على النفوس واستيلاء الشهوات على القلوب.
ولما كان من غــير المستــطاع المجاهرة برد الشريعة ورفضها، كان لابد لهم من لـي أعـنـاق النصوص من آيات وأحـاديــــث ليستدل بها أولئك المبطلون على المواقف المنحرفة وليست فيها دلالة عليها، ولو أن الذي يقع في الانحراف يعترف بذنبه وخطئه وضعفه في مخالفة الـشـــريعة، لكان الأمر أهون، وكــذلك لو أنه استدل بدليل في غير محله ولما نُبّـهَ إلى هذا الخطأ في الاستدلال رجع واعترف لكان هذا أيضاً أهون، ولكن المصيبة أن يصر المسلم الذي حَرّفَ الأدلة ولواها ليجد لعمله مَخْرَجَاً وشرعية، فيكابر بعد بيان الحق له، ويغالط نفسه والمسلمين بصنيعه هذا.
منطلق هذه الوقفات:
إننا في زماننا هذا نرى صوراً كـثــيرة من لبس الحق بالباطل، وصوراً أخرى من المغالطات والخداع والحيل المحرمة في شـــــرع الله عز وجل، فكان لزاماً على الدعاة والمصلحين أن يـحــــذروا مــن الوقوع في هذا المزلق، وأن يكشفوه للناس ولا يدَعُوهم لأهل الأهواء يلبسون عليهم ديـنـهـــــم ويحرفون الكلم عن مواضعه، ومعلوم ما ينتج من وراء ذلك من الــفــتــن والتضليل.
من أجل ذلك جاءت هذه الوقفات التربوية في ضوء القرآن الكريم لمعالجة هذا الموضوع المهم على ضــــوء الكتاب والسنة وما ذكره العلماء الفحول، وقد اخترت عنواناً لها قوله تعالى: ((ولا تلبسوا الحق بالباطل))، وهو جزء من آيتين كريمتين وردت إحداهما في سورة البقرة عند قوله تعالى: ((ولا تلـبســـوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون)) [البقرة:42] والأخرى في ســــورة آل عمران عند قوله تعالى: ((يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون))[آل عمران:71].
العبرة بعمـوم اللفـظ لا بخـصـوص السـبب:
وهاتان الآيتان وإن كـانـتـا قد نزلتا في أهل الكتاب فالعبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب كما هو مقرر عند علماء الأصول، فكل من كتم الحق وخلطه بالباطل وهو يعلم فهو من أهل هذه الآية، ولذلك ســـــوف لا أتطرق لمحاولات أهل الكتاب ولا أصحاب الملل الكافرة في تلبيس الحق بالباطل ومـغـالـطـاتـهـم في ذلك، بل سينصب جل البحث على واقعنا المسلم الذي نعيش فيه وندعو إلى الله فـيـــه، محاولاً كشف بعض الصور التي التبس فيها الحق بـالـبـاطــل والتي يقع فيها بعض المنتسبين لهذا الدين من المنافقين وضعاف الإيمان لتبرير الانحراف أو التهوين منه والرضى به وإقراره، بل إن بعض الطيبين من دعاة وطلاب علم قد تأثروا بـأولـئـك الملبسين فصاروا يرددون بعض ما يقولون بعلم أو بغير علم، :
* أسباب التباس الحق بالباطل * صور من لبس الحق بالباطل
* الأسباب الواقية من لبس الحق بالباطل *.
أهمية الموضوع:
إن لدراسة التباس الحق بالباطل أهمية كبرى لما ينتج عن ذلك التلبيس من تزييف وفتنة يكون لها الأثر السيء والضرر البالغ في تضليل الأمة وتحريف الحقائق وتزوير الأحداث، ويمكن توضيح أهمية الموضوع في الأمور التالية:
1- القيام بالعبودية لله تعالى لا يتم إلا بالإخلاص له سبحانه وتعالى، وأن تكون العبادة على بصيرة باتباع ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والبصيرة بالدين لا تتحقق مادام أن الباطل ملتبساً بالحق، مما يلزم تنقية الحق من الباطل قال تعالى: ((قد تبين الرشد من الغي))[البقرة: 56].
2- كثرة التلبيس والتضليل في عـصـــرنا بوسائل إعلامية ماكرة مضللة تلبس على الناس دينهم وتخلط الحق بالباطل، بل وصل الأمر لدرجة قلب الحقائق وإظهار الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق، وذلك لطمس الحق أو تشويهه وتشويه حملته والداعين إليه، فكان لابد من إزالة هذا اللبس لإحقاق الحق وإبطال الباطل بقدر المستطاع ((ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون))[الأنفال: 8]. 3- السكوت المزعج لكثير من العلماء وطلبة العلم في ديار الإسلام أمام كثير من المستجدات والنوازل التي تبحث فيها الأمة عن الـموقف الشرعي إزاء تلك النوازل، مما حدا بذوي القلوب المريضة في غيبة العلماء أن يلبســـوا على الأمة أمرها، وتكلمت الرويبضة في أمر العامة، والأدهى والأمر أن من أهل العلم من يساهم في هذا التلبيس فتراه يسمي الأمور بغير أسمائها، وينزل النوازل في غير مناطاتها، بـل قـــد يـثـنــي على المبطلين ويغض من قدر المصلحين، فإلى الله المشتكى.
4- أهمية تعرية الباطل وأهله، فمادام أن الحق مختلط بالباطل، وسبيل المجرمين لم يتميز عن سبيل المؤمنين، فإن الدين سيبقى مشوهاً عند الناس، وسيبقى التلبيس فيه قائماً، (ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة) .
5- ضرورة بيان تلبيس الطواغيت ودعاة العلمنة في كثير من بلدان الإسلام وما يضفونه على مخططاتهم الظـالمـة من تبريرات لظلمهم وادعاءاتهم التي قال الله تعالى في مثلها: ((وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون))[البقرة: 11، 12].
6- ظهور بعض المغالطات من كثير من الناس واستخدامها فـي تـبــرير المواقف الخاطئة والمخالفات الشرعية، سواء أكانت فردية أو جماعية فينبثق عنها مــواقــــف وممارسات خاطئة تلبس على الناس أمرهم، ومنشأ هذه المغالطات في الغالب شهوة مـــزجت بشبهة فتولد عنها مغالطة، وسيأتي تفصيل ذلك فيما بعد.
مصطلحات في الموضوع:
يحسن بنا قبل الدخول في ثنايا الموضوع الإلمام بتعريفات كثر إيرادها، من أهمها (اللبس والتلبيس) و(الأغاليط والمغالطات):
أولاً- اللبس والتلبيس:
قال في لسان العرب: »اللّبْس واللّبَس: اختلاط الأمر، لبس عليه الأمر يلبسه لبْساً فالتبس، إذا خلطه عليه حتى لا يعرف جهته، والتبس عليه الأمر أي اختلط واشتبه، والتلبيس: كالتدليس والتخليط، شدد للمبالغة، وربما شدد للتكثير، يقال: لَبَستُ الأمر على القوم ألبْسُه إذا شبهته عليهم وجعلته مشكلاً«أ.هـ، وقال ابن الجوزي - رحمه الله - في تلبيس إبليس: »التلبيس إظهار الباطل في صورة الحق«أ.هـ، ومن ذلك قوله تعالى: ((ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون))[البقرة:42]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عند هذه الآية: »فإنه من لبس الحق بالباطل فغطاه به فغلط به لزم أن يكتم الحق الذي تبين أنه باطل إذ لو بينه زال الباطل الذي لبس به الحق«.
ثانياً- الأغاليط والمغالطات:
قال في لسان العرب: »المغْلطَة والأغلوطة: ما يغالط به من المسائل والجمع: الأغاليط، وفي الـحـديـــث أنه -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الأغلوطات، قال الهروي: وأراد بها المسائل التي يغالط بها العلماء ليزلوا فيهيج بذلك شر وفتنة، وإنما نهي عنها لأنها غير نافعة في الدين ولا تكاد تكون إلا بما لا يقع، ومثله قول ابن مسعود - رضي الله عنه -: (أنذرتكم صعاب المنطق) يريد المسائل الدقيقة الغامضة«.
وقد أخرج أبو داود - رحمه الله - في سننه عن معاوية - رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الأغلوطات(1)، وروى كل من البخاري ومسلم حديث حذيفة المشهور في الفتن، وفيه قول حذيفة: »إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط«(2) قال في الشرح: الأغـالـيــط جـمــع أغلوطة وهي المسائل التي يغلط فيها والأحاديث التي تذكر للتكذيب، ونقل الحافظ بــن رجب - رحمه الله - في جامع العلوم والحكم عند شرحه للحديث التاسع من أحاديث الأربعين النووية قوله: وقال الحسن البصري: »شرار عباد الله الذين يتبعون شرار المسائل يعمون بها عباد الله« وقال الأوزاعي: »إن الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط، فلقد رأيتهم أقل الناس علماً«.
والحاصل مما ذكر أن المغاليط هي التي يثيرها المغالطون من صعاب المسائل أو المسائل التي لم تقع، وذلك ليغالطوا بها الـعـلـمــاء ليزلوا فيعمون بها العباد ويهيج من ذلك شر وفتنة وتلبيس على الناس، نسأل الله السلامة..
((ولا تلبسوا الحق بالباطل..)) (2) 1- فتنة الشبهات.
2- فتنة الشهوات.
3- فتنة الجمع بين الشبهة والشهوة لبس الحق بالباطل وكل انحراف أو ضلال أو خطأ سواء أكان صغيراً أو كبيراً لا يخرج في دوافعه عن الأسباب الثلاثة السابقة:
فإذا وقع العبد في مخالفة شرعية، فإما أن يكون السبب في هذه المخالفة هو الجهل بها وعدم العلم بحرمتها، أو اشتبه الأمـــــر عليه فحسبها مكروهة فقط، فهذا الخطأ سبب الشبهة الناتجة من قلة العلم وضعف البصيرة.
وأما إذا كان لدى من وقع في المخالفة علم وبصيرة في دين الله بأنها محرمة ومخالفة للشرع ومع ذلك وقع فيها عمداً، فإن الدافــع لـهـــذه المخالفة إنما هو الشهوة، وضعف النفس، ومثل هذا يقر ويعترف بمخالفته ومجانبته للصواب كما يعترف بذنبه وتقصيره.
أما إذا وقع في المخالفة عن شهوة وضعف ثم لم يعترف بذنبه وتقصيره، وإنما راح يبحث عن شبهة شرعية أو تفسير خاطئ أو تأويل مـتـعـســف للأدلة ليبرر بها خطأه ويبرر بها ضعفه وشهوته مع علمه بخطأ تصرفه هذا في قرارة نفسه فهذا هو الهوى وهذه هي المغالطة وهذا هو لبس الحق بالباطل، وهو أشنع أنواع الانحراف لأنه مكر وتحايل على شرع الله وخداع للناس.
إن أشد وأشر هذه الفتن من جمع بين الشبهة والشهوة وتحايل على شرع الله بأن غطى مخالفته وانحرافه بشبهة شرعية، وهو يعلم أنه متحايل ومخادع، ومثل هؤلاء الملبسين عقوبتهم عند الله عز وجل أشد من الذين يقعون في المخالفات الشرعية ولكنهم يعترفون بتقصيرهم وذنوبهم، ولا يكابرون، ولا يبررون ولهذا حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته من ارتكاب الحيل فقال ولا تركبوا ما رتكب اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل(1).
وهذه هي حقيقة لبس الحق بالباطل وحقيقة المغالطة، إذ أن الدافع الحقيقي للانحراف هو الهوى والشهوة وحب الدنيا، ولكن عوضاً عن أن يـعـتـرف بضـعـفـــه هذا وشهوته، ويعترف بذنوبه في مخالفته للشريعة فإنه يستدل لشهوته هذه بشبهة شرعية يعلم هو في قرارة نفسه أنها لا تصلح للاستدلال، لكن لابد من غطاء يغطى به هذا الضعف والهوى، وإذا ذهبنا لنتعرف على وسائل التلبيس والطرق التي ينطلق منها الملبس فـي أغلوطاته نجدها لا تخرج في الغالب عن الأمور التالية:
1- التأويل الفاسد واتباع المتشابه.
2- كتمان الحق وإخفاؤه.
3- تحريف الأدلة عن مواضعها، وعدم إنزالها في مناطاتها، وتفصيل ذلك فيما يلي:
1- التأويل واتباع المتشابه:
التأويل الفاسد الذي لم يدل عليه دليل يصرفه عن المعنى الظاهر الذي هو أشبه بتحريف الكلم، والغالب أن الذي يدفع إليه هو الجهـل والهـوى وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: فأصل خراب الدين والدنيا إنما هو التأويل الذي لم يرده الله رسوله بكلامه ولا دل عليه أنه مراده، وهل اختلفت الأمم على أنبيائها إلا بالتأويل، وهل وقعت في الأمة فتنة كبيرة أو صغيرة إلا بالتأويل؟ فمن بابه دخل إليها، وهل أريقت دماء المسلمين في الفتن إلا بالتأويل؟(2).
وعند قول الله عز وجل في اليهود: ((وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون))[ال عمران: 78] يقول سيد قطب رحمه الله تعالى عن هذه الآية: وآفة رجال الدين حين يفسدون أن يصبحوا أداة طيعة لتزييف الحقائق باسم أنهم رجال الدين وهذه الحال التي يذكرها القرآن عن هذا الفريق من أهل الكتاب نعرفها نحن جيداً في زماننا هذا فهم كانوا يؤولون نصوص كتابهم، ويلوونها لياً، ليصلوا منها إلى مقررات معينة، يزعمون أنها مدلول هذه النصوص، وأنها تمثل ما أراده الله منها، بينما هـــذه المقررات تصادم حقيقة دين الله في أساسها، معتمدين على أن كثرة السامعين لا تستطيع التفرقة بين حقيقة الدين ومدلولات هذه النصوص الحقيقية، وبين تلك المقررات المفتعلة المكذوبة التي يُلجئون إليها النصوص إلجاء (3).
2- كتمان الحق وإخفاؤه:
وهو تحريف الأدلة عن مواضعها وتغطية الحق بالباطل، وقد ورد في كتاب الله عز وجل وسـنــــة رسوله -صلى الله عليه وسلم- من النصوص المحذرة من كتمان الحق وإخفائه والمتوعده لفاعليه بالوعيد الشديد من ذلك: قوله تعالى: ((إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والـهــــدى مـــــن بـعــد مـا بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون))[البقرة: 159] وقوله: ((إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم))[البقرة: 174].
يقول الشيخ رشيد رضا في تفسيرها: هــذه الآية جارية على الرؤساء الذين يحرمون على الناس ما لم يحرمه الله، ويشرعون لهم ما لم يشرعه من حيث يكتمون ما شرعه بالتأويل أو الترك، فيدخل فيه اليهود والنصارى ومــــــن حذا حذوهم في شرع مالم يأذن به الله وإظهارخلافه سواء أكان ذلك في أمر العقائد ككتمان اليهود أوصاف النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو الأكل والتقشف وغير ذلك من الأحكام التي كانوا يكتمونها إذا كان لهم منفعة في ذلك، كما قال تعالى: ((تجعلونه قراطيس تبدونـهـــا وتخفون كثيراْ))[الانعام: 91] وفي حكمهم كل من يبدي بعض العلم، ويكتم بعضه لمنفعة لا لإظهار الحق وتأييده(4).
وبقيت كلمة أخيرة في موضوع كتمان الحق، ألا وهي أن بعض الطيبين قد يقول: ألا يجوز كتمان العلم بل قد يجب أحياناً عند خوف الفتنة من الجهر به سواء أكان على النفس أو على الناس؟ والجواب أن في ذلك تفصيل كما يلي:
بادئ ذي بدء فإن حديثنا ليس عن كتمان العلم وإنما هو عن كتمان الحق الذي يجب أن يقال، وفي نظري والله أعلم أن بينهما اختلاف، وذلك أن العلم أنواع فمنه ما هو واجب القول به وتعليمه الناس كفروض العين ونحوها ومنه ما هو مستحب ومنه ما يجوز قوله لأناس دون أناس حسب عقولهم وأفهاهم، أما قول الحـــق الواجب فأرى أنه من العلم الواجب إيصاله للناس، ولا يجوز كتمه لأن في كتمه مـفـســـدة تنافي مقاصد الشــرع أو بعضـهــا، وفي إخفائه فتنة للناس وليس العكس، فإذا جاز كتمان العلم أو وجب في ضوء قواعد الشريـعـة المـعـتـبـرة فإنا والحالة هذه نقول: إن الحق في هذا هو كتمان العلم، وإن الجهر بالعلم مع معرفـتـنـا بالـمـفـسدة المترتبة عليه هو الباطل والفتنة وهذا والله أعلم هو الذي عناه الشاطبي رحمه الله تعـالى في الموافقات حيث قال : ومن هذا يعلم أنه ليس كل ما يعلم مما هو حق يطلب نشره وإن كان من علم الشريعة، وممـا يفـيــد علماً بالأحكام بل ذلك ينقسم، فمنه ما هو مطلوب النشر وهو غالب علم الشريعة، ومنه مـا لا يطـلـب نشره بإطلاق، أولا يطلب نشره بالنسبة إلى حال، أو وقت أو شخص، ومن ذلك تعـيـيـن هـــذه الفرق فإنه وإن كان حقاً فقد يثير فتنة كما تبين تقريره فيكون من تلك الجـهـة ممـنـوعـــاً بثه، ومن ذلك علم المتشابهات والكلام فيها، فإن الله ذم من اتبعها فإذا ذكرت وعـرضت للكلام فيها فربما أدى ذلك إلى ما هو مستغنى عنه(5).
3- تحريف الأدلة عن مواضعها:
وهذه الطريقة من طرق التلبيس هي ثمرة من ثمرات الطريقتين السابقتين، إذ لابد لمحرف الأدلة من كتمان الحق، ولابد لمتبع المتشابه من تأويل كلام الله سبحانه وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- من التأويل الفاسد الذي يؤدي إلى صرف الأدلة عن ما أراد الله بها وأراده رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومن ثم وضعها في غير موضعها، وهذا هو نوع من أنواع التحريف للأدلة عن مواضعها، إذ لايلزم من التحريف أن يكون لفظياً كما فعلت اليهود في التوراة بل إن تحريف المعنى المراد إلى غير المراد هو تحــريـف للنـصـوص عــن مواضعها أيضاً وهذا ما أشار إليه الشاطبي رحمه الله تعالى: وهو يـسـتـعــرض مـآخذ أهل البدع في الاستدلال: ومنها تحريف الأدلة عن مواضعها بأن يرد الدلـيــل عـلـــى مـنــاط فيصرف عن ذلك المناط إلى أمر آخر موهماً أن المناطين واحد، وهو من خـفـيــات تحـريف الكلم عن مواضعه والعياذ بالله، ويغلب على الظن أن من أقر بالإسلام وبأنه يذم تحريـف الكلم عن مواضعه لا يلجأ إليه صراحاً، إلا مع اشتباه يعرض له، أو جهل يـصــده عـــن الحق مع هوى يعميه عن أخذ الدليل مأخذه، فيكون بذلك السبب مبتدعاً وبيان ذلك أن الدليل الشرعي إذا اقتضى أمراً في الجملة مما يتعلق بالعبادات مثلاً فأتى به الـمـكـلف في الجملة أيضاً، كذكر الله والدعاء والنوافل المستحبات وما أشبهها ممــا يـعـلــم من الشارع فيها التوسعة، كان الدليل عاضداً لعلمه من جهتين: من جهة معناه، ومن جـهــة عـمـل السلف الصالح به.
فإن أتى المكلف في ذلك الأمر بكيفية مخصوصة أو زمان مخصوص أو مكان مخصوص أو مقارنٍ لعبادة مخصوصة، والتزم ذلك بحيث صار متخيلاً أن الكيفية أو الزمان أو المكان مقصود شرعاً من غير أن يدل الدليل عليه، كان الدليل بمعزل عن ذلك المعنى المستدل عليه (6).
3- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله خــوف الابتلاء وتعريض النفس للفتن: هناك من يترك الأمر والنهي عجزاً وكسلاً وجبناً وبخـــلاً، لكن لا يريد أن يعترف بهذه الصفات الذميمة، فبدلاً من الاعتراف بها والسعي للتخلص منها فإنه يحاول جاهداً في تغطية ضعفه هذا بمبررات شرعية، منها: الخوف من الفتن واعـتــزال كـل مـا يعـرض النفس للابتلاء والفتنة والهلكة ودرء المفاسد، معتمداً على قاعدة درء المفاسد مقدم علـى جـلـب الـمـصـالح والضوابط الشرعية في ذلك، فمقصودنا هو كشف اللبس والتدليس والمغالطة على النـفـس وعلى الناس في أن النكول عن الأمر والنهي قد تم من منطلق شرعي وضوابط شرعية، والأمـر في حقيقته ليس كذلك، وإنما هو الخوف والجبن وإيثار السلامة وعدم تحمل أي أذى أو مـكـــروه في سبيل الله (عز وجل)؛ يقول الإمام ابن تيمية (رحمه الله): ولما كان في الأمر بالـمـعـــروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله من الابتلاء والمحن ما يعرض به المرء للفـتـنـة: صار في الناس من يتعلل لترك ما وجب عليه من ذلك بأنه يطلب السلامة من الفتنة، كـمـا قال [تعالى] عن المنافقين: ((ومنهم من يقول: ائذن لي ولا تفتني، ألا في الفتنة سقطوا))[التوبة: 49] (2).
فلا يصح لقائل أن يقول أنه يجب الابتعاد في الدعوة إلى الله (سبحانه) عن كل ما من شأنه أن يجر على الداعية الأذى والمحـن!، إن صاحب هذا القول قد نسي أو تناسى سنة الله (عز وجل) في الصراع بين الحق والـبـاطـل، وسنته (سبحانه) في الابتلاء والتمحيص؛ قال (تعالى): ((ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله، ولـئـن جـــاء نـصـر من ربك ليقولن إنا كنا معكم، أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين* وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين))[العنكبوت:10،11].
نعم إن من بيننا من يريد المغنم من الدعوة ولا يريد المغرم، بدليل عدم الإعداد والاستعداد لأي أذى يعترضه فـي الطريق ـ ولو كان قليلاً ـ، وإنما مادام الأمن والسلامة والراحة فهو نشيط ومتحرك، فـــإذا ظهرت المحن وبدايات الابتلاء والتمحيص آثر السلامة والراحة، وعلل ذلك بالابتعاد عن الفتن ودرء المفاسد.
ولا يعني ما سبق مــن الكلام أن يبحث الداعية عن الأذى والابتلاء، كلا، فالمطلوب سؤال الله العافية وعدم تمني البلاء، كما لا يفهم منه أيضاً الدعوة إلى التهور والطيش ـ معاذ الله ـ، فلابد من وجـــود المنطلقات الشرعية في كل التصرفات، لكن المراد أن لا نغفل عن سنة الله (سبحانه) في ابـتــلاء المؤمنين، وأن نوطن أنفسنا على هذه الأمور، لأنه لابد منها لكل من ادعى الإيمان وتـصـدّر للدعوة والجهاد، ولابد منها ليتميز الخبيث من الطيب، ولابد منها لتمحيص القلوب والـصــفـــــوف، ولو قلبنا تاريخ الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام)، وتاريخ الدعاة والمصلحين لرأينا ذلك المعلَم ظاهراً وقاسماً مشتركاً عندهم جميعاً.
وقريب من هؤلاء أولئك الذين يـبـررون كـسـلـهـم وحبهم للراحة وضعف همتهم بالتواضع البارد والزهد في المسؤولية، لأنه يعرف أن الدعــــوة إلى الله (سبحانه) لا يعرف صاحبها الراحة، وتحتاج إلى همة عالية، لكنه عوضاً من أن يعترف بضعفه هذا، فإنه يغالط نفسه وغيره، ويسعى إلى ترقيعه بإلقاء هذا الضعف على الخــوف من المسؤولية واحتقار النفس، وأن هناك من هو أولى وأتقى وأفضل.. إلخ.
4- المداهنة وضعف الولاء والبراء بحجة المداراة والتسامح ومصلحة الأمة: إن الخلط بين الـمـداراة والـمـداهنة، والتميع في الولاء والبراء بحجة التسامح، كل ذلك ينتج عنه آثار خطيرة على الديـن وأهله، وذلك بما يفرزه هذا الخلط واللبس من المغالطة والتضليل على الأمة في أن ما يقع من الملبسين من مداهنة وموالاة لأعداء هذا الدين إنما هو مداراة.
وإيضاحاً لهذا الأمر: أنقل كلاماً لأهل العلم يزيل اللبس في مسألة المداراة والمداهنة ومسألة الولاء والتسامح.
قال البخاري (رحمه الله) في باب المداراة مع الناس: ويذكر عن أبي الدرداء: إنا لنكشر في وجوه قوم وإن قلوبنا لتلعنهم، وعن عائشة (رضي الله عنها) أنه استأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل فقال: ائذنوا له فبئس ابن العشيرة ـ أو بئس أخو العشيرة ـ فلما دخل ألان له الكلام، فقلت له: يا رسول الله، قلت ثم ألنت له في القول، فقال: أي عائشة، إن شر الناس منزلة عند الله مَن تَركه ـ أو ودعه ـ الناس اتقاء فحشه (3).
ويعلق ابن حجر (رحمه الله) على حديث عائشة بقوله: قال ابن بطال: المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفـض الجناح للناس ولين الكلمة وترك الإغلاظ في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة، وظــن بعـضـهــم أن الـمداراة هي المداهنة فغلط؛ لأن المداراة مندوب إليها، والمداهنة محرمة، والفرق: أن الـمـداهـنـة من الدهان، وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم وبالـفـاســق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه، حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف الـقــول والـفـعـل، لا سيما إذا احتيج إلى تألفه، ونحو ذلك(4).
ومن هذا يتبين ما هي المداراة وما هي المداهنة، وأنهما ضدان لا يجتمعان، إذ إن المداراة صفة مدح وهي لأهل الإيمان، بينما المداهنة صفة ذم وهي لأهل النفاق، فهل بقي بعد هذا البيان مجال للالتباس في هذا الأمر؟!.
ثم إن مـكـمـن الخـطـــر فـي هذا الخلط ليس في مداهنة الفساق وأهل المعاصي من المسلمين فحسب، وإنما الأخطر من ذلك هو: مداهنة الكفار بمشاربهم المختلفة تحت غطاء المداراة ومصلحة الأمة، حتى اهتز جانب الولاء والبراء ـ الذي هو الركن الركين في عقيدة التوحيد ـ وبدأ حاجز البغض للكفر وأهله يضعف، بل اهتز عند بعضهم، والسبب في ذلك: الجهل بحقيقة المداراة والمداهنة، أو المغالطة فيهما عن علم وهوى. 5- الانفتاح على الدنيا والـركــون إليها، بحجة التعفـف عن الناس وإنفاق المال في وجوه الخير: وفي هذه الصورة مدخل خفي للشيطان يتسرب منه إلى نفس الإنسان، ويبلغ اللبس في هذا الأمر من الخفاء بحيث لا يفـطـن لــه إلا المـجـاهـــد لنفسه، المفتش لقلبه، الحذر الخائف من الدنيا وغرورها، ومكمن اللبس هنا في أن التـعـفــف عــن الناس أمر مطلوب، ويحث عليه الشرع في أكثرمن آية وحديث، وكذلك الإنفاق في سـبـيــل الله وبذل المال في أوجه البر المختلفة، كل هذا حق لا ريب فيه، لكن الشيطان لا يألو جهــداً في إغواء بني آدم وجرهم إلى حزبه خطوة خطوة، ولهذا: فهو يبدأ مع الإنسان ـ لـيـجـــره إلـى الدنيا وغرورها ـ من باب التعفف عن الناس، ومساعدة المحتاج، وإغاثة الملهوف..إلخ، ثم بعد ذلك، وبعد إشغاله بالمال وطرق جمعه ومشاكله وشبهاته نبحث عن صاحبنا الذي كنا نراه في لقاءات الخير والدعوة إلى الله (سبحانه) فلا نراه إلا قليلاً، وهكذا، حتى ينفـتح علـى الدنيا، ويركن إليها، ويضع له الشيطان في كل وادٍ من أوديتها شغلاً وهماً يتشعب فيهما الـفـكــــر، ويتشتت فيهما الذهن ويتحول المال المكتسب إلى استثمارات جديدة وتوسع في المباحات وإســـــراف في المآكل والمراكب والمساكن، وقد كان الهدف في البداية هو التعفف والإسهام في وجوه الخير والبر، والغريب في الأمر أن هذا المغالط عندما يذكّر بالآيات التي تحذّر من الدنيا، وســرعــــة زوالها، وخطر الركون إليها، فإنه بدلاً من أن يشعر بالخطر ويسعى لتدارك الأمر؛ فإنا نجده يصر على المغالطة واللبس، ويقول: إن التعفف عن الناس مطلوب، ولابد للداعية أن يكون له مصدر يستغني به عن الناس وينفع به دعوته، ويساهم في الخير، وهو يعلم أن ليس هذا قصده، وإنما أراد تغطية حبه للدنيا والركون إليها بهذا الغطاء الشرعي الذي لم يراع الضوابط الشرعية فيه.
وقد يقول قائل: إذن، ما العمل في مثل هذه الحالة وبخاصة لمن أراد صادقاً أن يتعفف عن الناس وأن ينفع دعوته بالمال؟
والجواب لا أملكه، لأنها مـعـادلة صعبة يختلف حلها من شخص لآخر، ويكفي في حلها أن يعلم الله (سبحانه) من أنفسنا أننا نريد التعفف والبذل بصدق في سبيل الله (سبحانه)، فعندئذ يحمينا برحمته من الدنـيــا وزخرفها، ويخرجها من قلوبنا لتبقى في أيدينا، وكل إنسان على نفسه بصيرة. 6- الاحتجاج بيسر الشريعة وضغط الواقع: إن القول بيسر الشريعة وسماحتها حق لا شك فيه، ولكن الاحتجاج بهذا التيسير لـلـتـفـلـت من أحكام الشريعة والتحايل عليها، واتباع الهوى في الأخذ بالرخص والشذوذات الفـقـهـيـة، كل هذا باطل وتلبيس وتضليل، يتبنى ذلك أهل الأهواء الذين يتبعون الشهوات، يريـدون بذلك تحلل المجتمع المسلم من أحكام الشريعة باسم التيسير وترك التشديد، وصدق الله العظيم: ((ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاْ عظيماً))[النساء: 27] . ومن رحمة الله (عز وجل) أنه لم يكل مصالح الـعـباد إلى أهواء البشر وشهواتهم، بل وضع (سبحانه) شريعة كاملة مبرأة من الجهل والهوى، ومـبــرأة مــن الـنـقـــص والقصور، لأن مصدرها منه (سبحانه) الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلا، ولو أن تـقــريـر مصالـح الـعـبـاد كــان فـي أيـدي البشر لحصل من ذلك شر وفساد كبير، وذلك لما عليه البشر من الجهل والنقص والهـــوى والشهوة، وهذا مشاهد في الواقع؛ فالمجتمعات التي لا يحكمها شرع الله (سبحانه) وتحكمها أنظمة البشر وقوانينهم نرى فيها من الفساد والشرور والظلم والاستعباد والضنك والـضـيــق مـــا تـعــج منه الأرض والسماوات، وتبرأ منه الوحوش في البريات، وصدق الله العظيم: ((ولو اتبع الـحــق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن، بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون))[المؤمنون: 71]
إن الذين يتشدقون بالتيسير ويغالطون به بغير علم ولا هدى من الله (سبحانه)، لو كان الأمر بأهوائهم لعطلوا كثيراً من أحكام الشريعة التي قد يُظَن فيها المشقة والضيق مع أن مآلها اليسر والسعادة في الدارين، فالله (سبحانه) الرحيم بعباده، هو الذي يعلم ما يصلح شؤونهم، وييسر أمورهم، ويعلم ما يشق عليهم وما لا يشق، إنه حكيم عليم.
7- التشهير بالدعاة والمصلحين واغتيابهم بحجة النصيحة والتحذير من الأخطاء: عن أبي برزة الأسلمي، والبراء بن عازب (رضي الله عنهما)، قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه: لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته (5).
والمقصود من إيراد هذه الصورة هو الحذر من تزيين الشيطان وتلبيسه في إظهار الغيبة أو النميمة أو التشهير في قالب النصيحة، والتحذير من الأخطاء والغيرة على دين الله وتعظيم حرمات الله (عز وجل)، إن هذا هو الخطير في الأمر: إذ لو أن الواقع في الغيبة أو النميمة أقر بذنبه، واعترف بتقصيره، واستغفر ذنبه لكان الأمر أهون، أما أن يكابر ويلبس على نفسه وعلى الناس بأن قصده النصيحة للأمة وتحذيرها من الأخطاء، وهو يعلم من نفسه غير ذلك من التشفي أو الحسد أو التهوين من شأن من وقع منه الخطأ وتنفير الناس عنه، فكل ذلك من المغالطة وتلبيس الشيطان وتزيـيـنــه؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله): ومنهم من يخرج الغيبة في قوالب شتى، تارة في قالب ديانة وصلاح، فيقول: ليس لي عادة أن أذكر أحداً إلا بخير ولا أحب الغـيـبــة ولا الـكـذب، وإنما أخبركم بأحواله، ويقول: والله إنه مسكين ، أو رجل جيد ولكن فيه كيت وكيت، وربما يقول: دعونا منه، الله يغفر لنا وله، وإنما قصده استنقاصه، وهضماً لجنابه، ويخـرجــــون الغيبة في قوالب صلاح وديانة، يخادعون الله بذلك، كما يخادعون مخلوقاً، وقد رأينا فيهم ألواناً كثيرة من هذا وأشباهه، إلى أن قال: وربما يذكره عند أعدائه ليتشفوا به، وهذا وغيره من أعظم أمراض القلوب والمخادعات لله ولخلقه، ومنهم من يظهر الغيبة في قالـب غـضـب وإنكار مـنـكــر، فـيـظـهــــر في هذا الباب أشياء من زخارف القول، وقصده غير ما أظهر، والله المستعان(6) . فلا مدخل لملبّس ومغالط في إظهار حقده وتشفيه وحميته لنفسه في قالب النصح والديانة، وكل إنسان أدرى بنفسه وقصده.
ولكن يبقى هناك بعض القرائن التي تكشف هذا اللبس والخداع في نفس المدعي للنصح والديانة، منها:
1- التشهير والتعيير بالمنصوح، خاصة إذا كان من المصلحين وأهل العلم.
2- الظلم، وعدم الإنصاف مع المنصوح، وبخسه حقه، وإخفاء خيره وحسناته.
3- عدم التثبت، والأخذ بالشائعات، وتصيد الأخطاء والفرح بها.
4- تغليب سوء الظن، وتفسير المقاصد بدون دليل وبرهان.
5- أن يكون قد عرف عنه الكذب وقلة الورع.
6- المداهنة للظالمين والركون إليهم.
8- التلبيس على الـنــاس برفع لافتات إسلامية تخفي وراءها الكيد للدين وأهله: إن من أخطر ما يهدد الأمة في عقيدتها وأخلاقها أن تعيش في جو من اللبس والتضليل والخداع، فلا ترى الحق بصورتــه المضيئةولا الباطل بصورته القاتمة المظلمة، بل قد يصل بها المكر والخداع إلى أن ترى الحق باطلاً والباطل حقاً، ويلتبس سبيل المجرمين بسبيل المؤمنين، ومن أعظم الالتباس بين السـبـيـلـين أن يقوم المجرمون من أعداء المسلمين سواء من الكفار الصرحاء أو المنافقين الدخلاء برفع لافتات، ظاهرها الإسلام ومحبة الدين والدعوة إليه، وباطنها الكيد
والمكر والخداع، ويحصل من جراء ذلك: أن يُخدع كثير من المسلمين بهذه اللافتات فينشغلون بها، ويثنون على أهـلـهــــا بدلاً من فـضـحها قـال عـمــــر بن الخطاب: إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية، بعتذر على كبر الموضوع شكرا لكم | |
| | | ام ملك عضوه vib
بلد الإقامه : مصر علم بلادي : عدد المساهمات : 3437 نقاط : 4719 التقييم : 54 تاريخ التسجيل : 25/06/2010 العمر : 44 العمل/الترفيه : ربة منزل المزاج : اللهم لك الحمد
| موضوع: رد: ولا تلبسوا الحق بالباطل الثلاثاء نوفمبر 15, 2011 6:47 pm | |
| عَافَاكـ الَلَّه عَلَى هَذَآ الْطَرِح الْقَيِّم نَفَعَنَا الْلَّه بِكـ وَالْمُسْلِمِيْن ,, ثَبَّتَكـ الْلَّه بِالْقَوْل الْصَّالِح وَزَوَّدَك الْلَّه مِن تُقَاه،، وَمَن الْنَّار وَقَاكـ ,, وَلِلْفْضيلَه هَدَاكـ ,, وَالْفِرْدَوْس سُكْنَاكـ,, حَفِظَكـ مِن أَوْجَدَكـ , | |
| | | ام ملك عضوه vib
بلد الإقامه : مصر علم بلادي : عدد المساهمات : 3437 نقاط : 4719 التقييم : 54 تاريخ التسجيل : 25/06/2010 العمر : 44 العمل/الترفيه : ربة منزل المزاج : اللهم لك الحمد
| موضوع: رد: ولا تلبسوا الحق بالباطل الثلاثاء نوفمبر 15, 2011 6:48 pm | |
| عَافَاكـ الَلَّه عَلَى هَذَآ الْطَرِح الْقَيِّم
نَفَعَنَا الْلَّه بِكـ وَالْمُسْلِمِيْن size=21] ,, [/sizeثَبَّتَكـ الْلَّه بِالْقَوْل الْصَّالِح وَزَوَّدَك الْلَّه مِن تُقَاه،، وَمَن الْنَّار وَقَاكـsize=21] ,, [/sizeوَلِلْفْضيلَه هَدَاكـ ,, وَالْفِرْدَوْس سُكْنَاكـsize=21],, حَفِظَكـ مِن أَوْجَدَكـsize=21] ,
[/size] | |
| | | ام علي نائبة المديره
بلد الإقامه : مصر علم بلادي : عدد المساهمات : 7341 نقاط : 9788 التقييم : 140 تاريخ التسجيل : 24/05/2011 العمر : 42 المزاج : الحمد لله
| موضوع: رد: ولا تلبسوا الحق بالباطل الأربعاء نوفمبر 16, 2011 3:20 am | |
| واوو مو معقوله أم ملك يا هلا ومرحبا بيكي يالغاليه الله لا يحرمنا من تواجدك بيننا سلمت يداكي لردك الغالي | |
| | | | ولا تلبسوا الحق بالباطل | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى | |
المتواجدون الآن ؟ | ككل هناك 4 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 4 زائر لا أحد أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 635 بتاريخ الجمعة يونيو 12, 2020 6:14 pm |
|