بسم الله الرحمن الرحيم
الوضوء يميز المؤمنين يوم القيامة
قال تعالى " يا أيها الذين أمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ، وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم الغائط أو لا مستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه، ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون، واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور) المائدة 7-8
حكمة ارتباط الوضوء بالصلاة
هذه الآية أصل في وجوب الوضوء والغسل، وفيها بيان لبعض أحكامها ، وتفصيل ذلك محله كتب الفقه، وهذه الآية دليل ارتباط الصلاة بالوضوء مع كونهما طاعتين منفصلتين، لقوله تعالى ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) الآية، وهو الارتباط الجدير بالتأمل والتدبر، ومن أحسن من عبر عن ذلك المفكر الإسلامي "عزت بيغوفتش " رحمه الله، حين سماه الشفرة التي بفهمها يعرف الإنسان كثيرا من قيم الإسلام وأحكامه ومقاصده. ذلك أن الطهارة في حياة المسلم جاءت على النقيض مما ارتبطت به الأديان المحرفة من إهمال النفس وعدم الاعتناء بالمظهر، والنزوع إلى اعتبار كل ذلك مما يتقرب به إلى الله . وهكذا ارتبط الوضوء بأعظم ما يشغل الإنسان المسلم وهو الصلاة، فيتجدد الوضوء في حياة المسلم كلما حل وقت الصلاة. ثم إن الطهارة التي من ثمارها نظافة الثوب والبدن، أولى بالاستثمار والتوظيف في كل دعوات النظافة والمحافظة على البيئة ونحوها ، لأنها تعطيها بعدا تعبديا، وليس في الوجود مما يحث على الفعل أكبر من التقرب إلى الله به.
الوضوء يمحو الخطايا
وللحث على الوضوء والدعوة إلى المحافظة عليه، وردت أحاديث كثيرة تدل على فضله. منها ما أخرجه مسلم عن أبي مالك الأشعري ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الوضوء شطر الإيمان" الحديث .ومعناه أن الأجر فيه ينتهي تضعيفه إلى نصف اجر الإيمان، وقيل معناه أن الإيمان يجب ما قبله من الخطايا، وكذلك الوضوء إلا أن الوضوء لا يصح إلا مع الإيمان فصار لتوقفه على الإيمان في معنى الشطر ، وقيل المراد بالإيمان هنا الصلاة كما قال تعالى: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) البقرة .143 والطهارة شرط في صحة الصلاة فصارت كالشطر.
ومما جاء في فضل الوضوء مارواه أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع أخر قطر الماء .فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيا من الذنوب" رواه مسلم.
ومنها ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" ألا أدلكم على ما يمحو به الله الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا بلى يارسول الله ، قال :" إسباغ الوضوء على المكاره، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ،فذلك الرباط" رواه مسلم.
ثم إن الوضوء يصير علامة مميزة للمؤمنين يروم القيامة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من أثار الوضوء فمن استطاع أن يطيل منكم غرته فليفعل " متفق عليه. وأصل الغرة لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس، ثم استعملت في الجمال والشهرة وطيب الذكر، والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
المتطهرون أهل المحبة
ومما يحسن التنبيه عليه هنا أن مادة الطهارة أوسع من الوضوء، فقد وردت باشتقاقاتها المختلفة في واحد وثلاثين موضعا في القران الكريم، شمل مفهوم الطهارة من النجاسات والأقذر بالماء ما يقرب من نصف تلك المواضع، يليه مفهوم الطهارة من الأوثان كقوله تعالى : ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفيين والعاكفين الركع السجود) البقرة 125. ثم طهارة القلب والمال كقوله تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) التوبة 103، ثم الطهارة من الفاحشة كقوله تعالى " ( أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرن) النمل 56
ومن الآيات الجامعة في الموضوع التي يتسع مفهوم الطهارة فيها اتساعا بينا، قوله تعالى : ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) البقرة 222 ، وكفى به ترغيبا في الطهارة حين صارت سبيلا لمحبة الله .
لا حرج في الدين
وقوله تعالى :" وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم الغائط أو لا مستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) هذه الآية أصل في مشروعية التيمم وهو مما اصطلح عليه علماؤنا بالطهارة الترابية في مقابل الطهارة المائية وله أحكامه وشروطه المفصلة في كتب الفقه . التيمم مظهر أخر من مظاهر رحمة الله بعباده ويسر تكاليف هذا الدين كما قال تعالى في بداية الآية ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج، ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون) أي ما يريد أن يأمركم بالطهارة بالماء والتراب التضييق عليكم في الدين، وهو ما تقرر في أكثر من آية. لعل أشهرها قوله تعالى ( وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج 78.
دوام التفكر في نعم الله
وقوله تعالى( واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور ) فهذا تذكير منه لعباده المؤمنين بنعمته عليهم في شرعه لهم هذا الدين العظيم وإرساله إليهم هذا الرسول الكريم . وما أخد عليهم من العهد والميثاق في مبايعته ومناصرته ومؤازرته والقيام بدينه وإبلاغه عنه وقبوله منه، وقوله تعالى (واتقوا الله ) تأكيد وتحريض على مواظبة التقوى في كل حال تم أعلمهم أنه يعلم ما يختلج في الضمائر من الأسرار والخواطر فقال ( إن الله عليم بذات الصدور ) ويتبين كما في كل مرة الارتباط الوثيق بين أغلب هذه النداءات الأمر بتقوى الله تعالى . وفي ذلك أكثر من عبرة فهل من معتبر.
الأربعاء فبراير 08, 2012 6:05 pm
