فرص للوقوف مع النفس قبل قدوم رمضان
اقترب قدوم شهر رمضان، شهر المغفرة والرضوان، فيه يكثر الجود، ويزداد الخير ويعم الإحسان.
فهل نكون فيه من المحسنين، أم نظل من اللاهين الغافلين،
فلنبدأ بمراجعة أنفسنا، ومحاسبتها على التقصير في الطاعات؛ لنقبل على
رمضان بهمة عالية، ونية صافية، وتوبة نصوحة من الذنوب والمعاصي.
فلعلنا
نقف مع أنفسنا وقفة محاسبة حقيقية قبل قدوم رمضان، ونحاول أن نتوجه إلى
الله تعالى بتوبة نصوحة؛ والذي يدفعنا لذلك هو علمنا أننا مقبلون على شهر
تجتمع فيه صفات الخير ونتنافس في الصدقة والجود، ونجتهد في التطوع الإحسان،
فلابد إذن من هذه الوقفة مع النفس، لأننا سنتقبل على شهر تفتح فيه أبواب الجنة، و تغلق فيه أبواب النار.
الندم على ما فات
ونذكر
أنفسنا هل اعتنينا بالقرآن قبل رمضان، وإذا قصرنا وهجرنا القرآن طوال
العام، فلا بد من العودة والمحاسبة لكل من هجر القرآن. فنقف ونذكر أنفسنا و
نحن على أبواب رمضان بقول الله تعالى: "وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ
إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا"سورة الفرقان.
فعلينا
الاهتمام بالقرآن في شهر القرآن، وندرب أنفسنا من الآن في شعبان على
الإقبال على كتاب الله الذي أنزل في رمضان، وهو شهر القرآن ففيه أنزل
القرآن على سيد الخلق نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: "إنا
أنزلناه في ليلة القدر"سورة القدر، فهو شهر عظيم عند رب العالمين، لذلك يجب أن نقف فيه وقفات، وتكون لنا جلسات؛ لنحاسب أنفسنا على التقصير في جنب الله.
فنقول
لكل من عصي الله تعالى، ولكل من أسرف على نفسه، وقصر في حق ربه. يا من عصى
ربه قف، فنحن على أبواب شهر كريم، ورب عظيم، فنذكر أنفسنا ونذكر كل من فرط
في صلاته، أو قطع الأرحام، أو عق والديه، أو قصر في الطاعات أو حرص على
تتبع الشهوات، أو نشر الشبهات، قف
نحن على أبواب المغفرة الواسعة من رب غفور وخصوصا في رمضان، قال تعالى:
"قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا
تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ
وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا
تُنصَرُونَ، وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم
مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا
تَشْعُرُونَ، أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي
جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ" سورة الزمر.
الاستعداد لشهر القرآن
فالمسافر
يستعد لسفره ويتجهز، والموظف يستعد بتحضير الشهادات، أو حضور الدورات,
والشياطين تصرف الناس عن الطاعات، و توسوس للعباد، قبل أن تصفد في الشهر
الكريم، فعلى المسلمين أن يستعدوا ويتجهزوا أفضل استعداد، فما أسعد من
استفاد من رمضان من أول يوم، بل ومن أول لحظة، نسير ونفعل كما فعل السلف
الصالح، بأن نجهز أنفسنا ونحسن استقبال رمضان قبل قدومه أي من رجب أو من
شعبان.
فشهر
رمضان يزهو بفضائله على سائر الشهور، فهو شهر القرآن والتوبة والمغفرة
والصبر والمجاهدة والجهاد، فأبواب الرحمة فيه مفتوحة، والشياطين ومردة الجن
مصفدة مغلولة، فيه ليلة خير من ألف شهر، والسعيد من صامه وقامه إيمانًا
واحتسابًا، فلا بد من حسن استقباله.
فكيف نستعد لرمضان:
أولا: بالدعاء:
ندعو الله أن يبلغنا هذا الشهر الكريم، كما كان السلف الصالح يهتمون بشهر
رمضان ويفرحون بقدوم، وكانوا يدعون الله أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه أن
يتقبله منهم؛ لأنهم قد علموا فضائله، وتفهموا خصائصه، وعرفوا أنه يزهو
بفضائله على سائر الشهور، فيجتهدوا في عمل الصالحات، وفعل الطاعات،
والتنافس في الخيرات، والاستعداد له بالأعمال التي تقربهم إلى الله تعالى
في ذلك الشهر الكريم. وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب دعا الله أن
يبلغه شهر رمضان فيقول: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبَلِّغنا رمضان" رواه أحمد والبيهقي وغيرهما، والحديث ضعفه العلماء من قبل إسناده، لكنه دعاء مشهور دعا به السلف الصالح، فاللهم بلغنا رمضان.
ندعو الله تعالى أن يعيننا على أن نحسن استقبال هذا الشهر، وأن نحسن العمل فيه وأن يتقبله الله منا.
ثانيا: سلامة الصدر مع المسلمين: فلتحرص أيها المسلم، ألا يكون بينك وبين أي مسلم آخر شحناء، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا مشرك أو مشاحن" راجع صحيح الترغيب والترهيب.
ثالثا: بالصيام:
فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الصيام في شهر شعبان؛ لأن هذا الشهر يغفل الناس عن صيامه، لأنه يأتي بين شهر الله الحرام رجب وشهر رمضان،
فعن
أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من
الشهور ما تصوم من شعبان، فقال: "ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب
ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا
صائم "رواه أبو داود و النسائي وصححه الألباني كما في صحيح الترغيب والترهيب.
وعن
عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر
حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته
أكثر صياما منه في شعبان " رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم:
"كان يصوم شعبان إلا قليلا "، وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك
وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شعبان، وإنما كان يصوم
أكثره، ويشهد له ما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "ما علمته -
تعني النبي صلى الله عليه وسلم - صام شهرا كله إلا رمضان" وفي رواية له
أيضا عنها قالت: "ما رأيته صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا أن يكون
رمضان".
ومن فوائد الصوم في شعبان
أنه كالتمرين والتعويد على صيام رمضان؛ لئلا يصعب عليه صوم رمضان ويشعر
بالمشقة والتعب، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده فيدخل رمضان بقوة و
همة عالية، ونشاط .
رابعا: الاهتمام بالواجبات، و الحرص على الفضائل،
مثل: أداء صلاة الفجر في الجماعة، والحرص على صلة الأرحام، مع التنافس في
الخيرات، والتسابق للطاعات، من إطعام الطعام، والصدقة، وتفطير الصائمين،
والعطف على المساكين ومساعدة المحتاجين، وزيارة الأقارب، وقراءة القرآن
واتخاذ ورد يومي من القرآن..إلى آخر هذه الطاعات.
خامسا:
التعود النفس على صلاة القيام، والتهجد بالليل، ففي الحديث المتفق على
صحته: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
سادسا: التخلق بالأخلاق الفاضلة:
وهذا هدف جليل من أهداف الصوم، وهو التحكم في النفس، وتدريبها على
الأخلاق الفاضلة، وتقوية الإرادة، و عدم الغضب، أو مجارة السفهاء ومنافسة
الجهلاء، فمن سابه أحد أو شاتمه، نقل له: قف وتذكر نحن على أبواب رمضان أو
في رمضان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فان امرؤ سابه أو شاتمه فليقل: إني صائم" متفق عليه، وقد كان السلف الصالح يحفظون صيامهم عما يبطله أو ينقصه من اللغو واللهو واللعب والغيبة والنميمة والكذب.
ينبغي
لنا أن نستثمر هذه الفرصة العظيمة، فنعمر الوقت بطاعة الله وحسن عبادته،
حتى نستعد ليوم الحساب: "يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا
مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ"سورة الشعراء.
أسأل
الله أن لا يجعلنا من الغافلين اللاهين عن ذكره، المنشغلين في أمور الدنيا
وليكن شعارنا في رمضان هذا العام قف وتذكر، فهل نقف مع أنفسنا ونحاسبها،
حتى نقبل على رمضان بروح جديدة، وهمة عالية، ونفسية سوية.