قصيدة رائعة في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم

دُقـوا الدفـوفَ فـإنَ البـدرَ مؤتلقٌ

خـلفَ الثنيةِ ... نـوراً غيـرَ ملتَثِمِ

ويا مدينـةُ جـاءَ العزُّ .. فـانتبهـي

مـن غفلـةِ النـومِ أو من رقدةِ العدمِ

ولتبـدئي اليـومَ تاريخـاً وملحمـةً

ولتكتبـي عنـه بالقرطـاسِ والقـلمِ

تيهـي علـى الكونِ تشريفـاً ومنزلةً

فـأنتِ سيـدةُ الدنيـا بـلا َقسَـمِ

وأنتِ قبـلةُ أرواحٍ بـلا سَـفَـرٍ

فربَّ جسمٍ هنـا والروحُ فـي الحَرَمِ

يا طيبـةَ الخير قـد بوركتِ من وطنٍ

وكـم يبـاركُ أرضـاً ملمسُ القـدمِ

مشى الحبيبُ هنـا يا ليتَ لـي قَـدَراً

أمشي علـى أثرِ " الأقـدامِ " باللثَّـَمِ

رنـا الحبيبُ هنـا ! فاخضرَّ ذو يَبَسٍ

وربَّ عـودٍ بكى وانفكَّ مـن بَكَـَم

دنـا الحبيبُ هنـا وارتاحَ مِـنْ تَعَبٍ

فـليتَ أنـي لـه مِـنْ أصغرِ الخدمِ

نخـلَ المدينةِ كـم شاهدتَ عن كَثَبٍ

وكم حضرتَ مـن الأحداثِ والقُحَمِ

هنـا تأسسَ مجـدُ الـدين وانطلقتْ

جحافـلُ الحـقِّ للأكـوانِ والأمـمِ

قُـمْ يـا بـلالُ وأعلنـها مـدويـةً

واحسمْ بصوتكَ أمَـر الشركِ ينحسمِ

كَبرّْ ، وَأَرْهبْ دعـاةَ الكفرِ قد وُلدتْ

فـي طيبـةَ اليـوم آسادٌ بـلا أجَـمِ

قاموا إلى الحـقّ سيفـاً لا مراءَ بـه

والحقُّ بالسيفِ يعلـو عند مصطـدَم

عصـابـةٌ لو رآها اليـوم ذو بَطَـرٍ

مـن الطغاةِ لألقـى خطبـةَ السَّلَـمِ

الراكبونَ إلـى الجناتِ فـي عَجَـلٍ

مـن كـلِّ مستبِـقٍ كهـلٍ ومحتِلـمِ

رَأَوْا فـأسعَدهمْ أَنْ ينشِروا دمَهـمْ

مـن أجـلِ نشرِ الهدى والعلمِ والقيمِ

وبـاذلُ النفسِ للرحمـنِ عـن ثقـةٍ

قـد مَّهـدَ الـدربَ للأجيالِ عن رَغَمِ

***

هنـا المدينـةُ فاكتبْ يـا زمـانُ لها

عـزَّ المـآثـرِ وارفـعْ رايـة العَلَـمِ

هنـا البيوتُ اللواتي أَنَجَبَتْ أُمَمـاً

من الرجالِ، وجـلَّ البيتُ مـن رَحِمِ

هنـا البقيعُ ، وحيثُ الأوليـاءُ هنا

بالـروحِ تسكنُ تحـتَ الأرضِ واللَّحَمِ

هنـا النبيُّ يـربي عنـَد مسجـدِهـا

ويفطـمُ الجيـلَ بالأخـلاقِ والشِّيـمِ

***

هـذا أبو بكـرُ رمـزٌ للـولاءِ فكمْ

أعطـى دروسَ ولاءٍ للرجـالِ كـمِ ؟

وكـم تشبَّـه بالفاروقِ مـن حَكَمٍ

وبالتواضـعِ رغـم الملـكِ والحكُـمُ

يا مـنْ أعـزَّ بـه الـرحمـنُ ملَّتـهُ

وذلَّ فيـه دعـاةَ الكفـرِ والصنـمِ

جـاءتْ إليـكَ رقـابُ المشركينَ بها

رُعبٌ مـن الحَـزْمِ لا مِـنْ شدةِ الحُزُمِ

وذاك عثمانُ ذو النـورينِ سيـدُنـا

من جهَّزَ الجيشَ كلَّ الجيشِ عن كَـَرمِ

ما ضرَّ عثمانَ بعـدَ اليـوم ما فَعَلَتْ

منهُ اليمينُ، فكلَّ الذنبِ كالّلمَمِ

وذا عليُّ، وليُّ اللهِ لو قُسمتْ

كـلُّ المكارمِ ، فـاقَ الكـلَّ بالقِسَمِ

صهـرُ النبيِّ، وللأنسابِ حظـوتُهـا

هذا هـو الحسبُ الأعلـى، بلا جَرَمِ

زوجُ البتـولِ وكـلُّ الطهـرِ مرجعُهُ

إلـى البتولِ ، وللآلِ الكـرامِ ... نُمي

يا جدتـاهُ، وحسبي في العلـى شـرفاً

فـي أنَّ حبيَّ للـزهراءِ ... ذو رَحِـمِ

هنـا المدينةُ ... والسبطانِ قـد جَلَسَا

فيهـا، فنوديَ بالتاريـخِ ... فلْتقـمِ

هنـا الملاحمُ من بـدرٍ ومـن أُحُـدٍ

هنـا الفتوحُ فمـن قُـدْس إلى شَـأَمِ

***

هنـا السيوفُ مـوشاةٌ إذا ارتـديتْ

وكمْ تفاخرَ سيـفٌ ارتـداهُ كمـي

يا ابنَ الوليدِ خيـولُ اللهِ قـد رَكِبَتْ

والخيـلُ تعـرفُ سيـفَ اللهِ بالنَّسَمِ

تـرنَّـحَ الباطـلُ المغـرورُ منهـزماً

إذْ صاحَ خـالدُ فـي عزٍّ ألا : انهـزمِ

***

بدرٌ ، ويطّلِـعُ الـرحمـنُ عـن كثبٍ

ترمـي يـدُ اللهِ جيشَ الكفـرِ بالسَّهَمِ

أُحْدٌ ، ودرسٌ علـى الطاعاتِ ياَ لَهفي

كيف احتَموا فـي رسولِ الله من حُمَمِ

كبـدُ الشهيدِ برغـم القبـحِ في الجُرُم

وذاكَ سلمـانُ، منّـا، قـال سيدُنا

لمـا أشارَ بحفـرِ الخنـدقِ العجمـي

العنصريةُ فـي الإسـلامِ قـد سقطتْ

مـن يومِها .. واستحالتْ فيـه كالرِّمَمِ

سعدُ حكمتَ بهـم أمرَ السماءِ ، إذنْ

يلـقَ اليهـودُ جـزاءَ النُكْثِ بالعِصَمِ

هـذي جويريةٌ من أجلهـا فُدِيَـتْ

جـلُّ القبيلـةِ حيـث الصهرُ في حَرمَ

يا شجْرةَ البيعةِ – الرضوانِ قد رضيتْ

عـن الرجالِ سمـاءُ اللهِ ... فابتسمـي

صلـحُ الحديبّيةِ الميمـونُ ، مظهُـرهُ

غبـنٌ ، وجوهره نصـرٌ بلا غُـرُمِ

" أنا النبيُّ ، رسـولُ اللهِ لا كَـذِبٌ "

علـى حُنَينٍ ، ينادي المصطفـى بهـمِ

وفتـحُ مكـةَ درسُ النصـرِ علّمنـا

علـى العصورِ كتابَ العفـوِ والكَظَمِ

عفوتَ عنهـم رسـولَ الله رغمَ أذىً

وربَّ عفوٍ يصيـدُ القلبَ دون رمـي

لـم تَغْـزُ يا سيـدي من أجـلِ فانيةٍ

حاشاك مـن طَمَـعٍ فيها ومـن غُنُمِ

يا فاتحَ الأرضِ بالأخـلاقِ تنشرُهـا

ومن يعارضْ رياحَ الخيـر ... ينقصـمِ

الفـرسُ والـرومُ أشـلاءٌ مبعثـرةٌ

جيشُ النبـي أتى كالموجِ فـي زَخَـمِ

هي الحضاراتُ لا تبقـى علـى أَحَـدٍ

إذا تخلى عـن الأخـلاقِ والـذِّمَـمِ

هنـا النبـيُّ وبـالأخـلاقِ دولتُـه

والخُلْـقُ يفتـحُ قلبـاً دون سفكِ دمِ

هنا الصحابةُ في المحرابِ قـد جلسوا

والمصطفـى يشرحُ القـرآنَ بالحِكَـمَ

الخُلْقُ قـال رسـولُ الله فـالتزمـوا

فقـد بُعثـتُ بـه كُلاَّ علـى تمَــمَ

" وإنما الأمـمُ الأخـلاقُ مـا بقيتْ "

فإن تـدنتْ ... فللتدميـرِ والنقِّـمِ

***

الصالحـاتُ لكَ استرخـتْ أَزِمُّتهـا

والمصلحـونَ لكَ انقادوا علـى فَهَـمِ

ومـن تكـنْ برسـولِ الله أسـوتُـه

مـا ضارعتهُ على الأخلاقِ بنتُ فـمِ

صـدقٌ ، وحلـمٌ ، وعفوٌ عند مقدرةٍ

هلْ بعد هـذي السماتِ الغرِّ منِ سيَمِ

جودٌ كما البحرِ، بل في البحرِ كلُّ أسىً

إذ لـمْ يجاريكَ بـالإنعـامِ والكـرمِ

يا واصلَ الرحْم بعـد القطعِ مبتدراً

لـولا ابتدارُكَ ما كانتْ مـن الحُـرَمِ

يا أفصحَ الناس في علـمٍ وفـي أدبٍ

شيَّـدتَ للضادِ مُلْكـاً غيـرَ منهـدمِ

إذا خطبـتَ تهـادى منبـرٌ طـربـاً

وأنصتتْ فصحاءُ العُرب فـي عِظـمِ

وتلـكَ أُميَّـةٌ تحيـا بهــا أمـمٌ

وتُنقِـذُ الأرضَ مـن بؤسٍ ومـن عُدُمِ

أبـا الفصاحةِ قـد غامرتُ يـدفعني

على المديحِ هوىً فـي القَلبِ من قِدمِ

أدري بأنيَّ لا أرقـى ... ويخذلُنِي

فيكَ اللسانُ ولكـنَّ الحنينَ فمـي

أيشفعُ الحـبُّ يـا مولاي حيث أنـا

في الشعرِ صفرٌ، وفي الإلقاءِ في بَكَـم

أنا الذنوبُ علـى وجهـي معفِّـرةٌ

لكنَّ مـدحكَ فـي قلبي وضمنَ دمي

اللهُ يشهدُ كـم قلبـي يخـاطبكـمْ

ومن يترجمْ خطابَ القلـبِ ... لا يُلَمِ

يا سيدي، يا رسـولَ الله لي أمـلٌ

أن تقبلَ المـدحَ رغـم العجزِ في كلمي

يا صاحبَ الحوض، تسقي المؤمنينَ، أنا

رجوتُ أنُشدُ عند الحوضِ ... كلَّ ظمي

هـل يكتبُ الله عـزي أن أكونَ أنـا

في بابِ أحمـدَ أشدو حُسْنَ منتظِـمِ

من غيرِ ما فتنةٍِ ربـي ... ولا مِحَـنٍ

بـل منحةٌ عَظُمَتْ يا واهـبَ النعمِ

حسّانُ أولى بـها لكنـه ... أمـلٌ

وهلْ يُلامُ علـى الآمـالِ ذو عَشَمِ ؟

وبردةُ المصطفى ... كم داعبتْ بصري

وكـم تخيلتُ فـي صحوي وفي نُومي

يا سيدي ... يا رسولَ الله قـد رجعتْ

جحافلُ الرومِ فـي حقـدٍ وفي لُـؤُمِ

القدسُ مسراكَ لا أجـرو فأخبَركم

إن الفجيعةَ جـرحٌ فـي القلـوب دمِ

عـادتْ قريظـةُ يا مولاي ، وانتقمتْ

لقينقـاعَ علـوجُ الـذبـحِ كالغَنَـمِ

صوتُ السبايا ... وكلُّ الأرض تسمعهُ

إلا الخيـولَ ... وإلا سيـفَ معتصِـمِ

يا ربِّ، جاؤوا لهـدمِ الدينِ من أُسسٍ

يا ربِّ، فاجعلْ بنـاء البغـيِ ينهـدمِ

***

وصلِّ ربِّ علـى الهـادي محـمِدنا

والآلِ، والصحبِ والأتبـاعِ كلِّهـم

وامنحْ عبيَدكَ فـي الـدارين تكـرمةً

ووالـديـه وفـرّجْ كُـربةَ الغُمَـمِ

وارحـمْ ذويـه وذريـاتِهـم أبـداً

وافتحْ عليهـم فتـوحَ العارفِ الفَهِـمِ

واغفـر الهـي ذنـوباً أنت تعلمهـا

واشفِ القلوبَ كذا الأجسامَ من سَقَمِ

واجبرْ الهي علـى الأيـامِ ما انكسرتْ

منـه الأماني بسـترٍ غيـرِ منخـرمِ

واقضِ الحوائجَ ما يرضيكَ في عَجَـلٍ

كـذا المـرادَ أَنِلنْـا دائمــاً وَدُمٍ

واجمـعْ علـى الخيرِ أمرَ المسلمين بها

وَوحِّدِ الصـفَّ سـدَّاً غيـرَ منفَصِـمِ

والطُفْ إلهي بقاريها وشارحِها

والسامعينَ وبارِكْ سيدي بهمِ

وشفِّـعِ المصطفـى فينـا وأمِتــِه

فـوقَ الصراطِ وعندَ الحادث الَعمِـمِ

أبياتُها قـد أتتْ مَـاْئتَيْنِ مَـعْ عَـلَمٍ

كذاك أسمـاؤه فـي العـدِّ والرقَـمِ

فـالشكرُ للهِ قـد جـاءتْ موافقـةً

والحمـدُ للهِ فـي بَـدْءٍ وفـي خَتَـمِ.