السبب الثاني:
التزود بالعلم النافع مع العمل به
للجهل قبل الموت موت لأهله***وأجسامهم قبل القبور قبور
وأرواحهم في وحشة من جسومهم***وليس لهم قبل النشور نشور
المقصود بالجهل الجهل بالله و بصفاته وبأسمائه و برسول الله صلى الله عليه وسلم وبسنته وبشريعته وبدينه.
قال تعالى: "يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون"
المقصود بالعلم العلم النافع الذي يرسخ التوحيد: العلم عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم
قال تعالى:فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19]
أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالعلم والعمل(الاستغفار)
قال
الحافظ ابن حجر: أمر الله نبيه في هذه الآية بأمرين: بالعلم، والعمل، فقدم
العلم على العمل؛ لأن العلم هو المصحح للنية التي يصح بها كل قول وكل عمل
العقل وحده لا ينفع، قد يدل على توحيد الربوبية، سئل الأعرابي الذي تخرج من جامعة الفطرة، سئل ما الدليل على وجود الله؟
فقال
: البعرة تدل على البعير ، وأثر السير يدل على المسير ، سماء ذات أبراج ،
وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج ، أفلا يدل كل ذلك على اللطيف الخبير ؟
هذا
دليل عقلي ولكن العقل وحده لا يدل على عبادة الله تعالى كما ينبغي على
مراد الله ورسوله إلا من طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن تيمية رحمه الله: إن دين الله الذي هو الإسلام مبني على أصلين ، الأول أن نعبد الله عزوجل وحده لا شريك له والثاني أن نعبده بما شرع على لسان رسوله
وهذان
الأصلان هما حقيقة قولنا نشهد أن لا إله إلا الله ونشهد أن محمدا رسول
الله، فبالشهادة الأولى يعرف الله عز وجل وبالشهادة الثانية يعرف الطريق
الموصل إلى المعبود عز وجل.
إذن
كل الطرق إلى الله مسدودة إلا من طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم، إلا
بالعلم عن الله ورسوله ، إلا بالتعلم عن الله من رسوله صلى الله عليه
وسلم لأنه أعرف الخلق بالله عز وجل.
:فضل العلم
علم العليم وعقل العاقل اختلفا***من ذا الذي فيهم قد أحرز الشرفا
العلم قال أنا أحرزت غايته***والعقل قال أنا الرحمن بي عرفا
فأفصح العلم إفصاحا وقال له***بأينا الله في قرآنه اتصفا
فأيقن العقل أن العلم سيده***فقبل العقل رأس العلم وانصرفا
قال تعالى:قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر:9]يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11].
قال الله جلّ وعلا ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28] .
على قدر العلم تكون الخشية والإنابة
بل لقد استشهد الله عز وجل بالعلماء على أجل مشهود عليه ألا وهو التوحيد.
قال تعالى:
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ
وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[آل عمران:18]
أول من شهد بالتوحيد هو الله ثم الملائكة ثم أولو العلم، يا لها من منقبة للعلماء.
قال ابن القيم
: إن أول من شهد لله بالوحدانية هو الله، ثم ثنى بملائكته، ثم ثلث بأهل
العلم. وهذه هي العدالة في أعلى درجاتها، فإن الله جل وعلا لا يستشهد
بمجروح
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إن الله –تعالى- لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمٌ اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم؛ فضلوا، وأضلوا ) صحيح
وكان
نبينا صلى الله عليه وسلم شديد الحفاوة بطلاب العلم، ففي مسند الإمام
أحمد، ومعجم الطبراني بسند جيد من حديث صفوان بن عسال المرادي -رضي الله
عنه- قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد متكئ على برد له
أحمر فقلت: يا رسول الله، إني جئت أطلب العلم قال: (مرحباً بطالب العلم، إن طالب العلم تحفه الملائكة بأجنحتها، ثم يركب بعضهم بعضاً، حتى يبلغوا السماء الدنيا؛ من محبتهم لما يطلب )
وقال صلى الله عليه وسلم: ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً؛ سهل الله له طريقاً إلى الجنة ) رواه الترمذي، وابن ماجة، والنسائي وغيرهم بسند حسن بشواهده، من حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه
نعم”، إن العلم من أسباب تعلم التوحيد وترسيخه وتحقيقه، إن الشرك في الأمة أخفى من دبيب النمل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا أعلمه وأستغفرك لما لا أعلمه
هذا يحتم علينا أن نكون على وجل وأن نحذر دائما من الشرك
العمل:
إن طلب العلم ليس غاية، بل يجب أن نعمل به لكي يورثنا هذا العلم خشية الله وحب الله ورسوله وحب الطاعة وبغض المعصية.
وفى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم من حديث أسامة بن زيد رضى الله عنه قال سمعتت رسول الله يقول: "يؤتى
بالرجل يوم القيامة فيلقى فى النار فتنتدلق اقتاب بطنه فيدور بها كما
يدور الحمار فى الرحى، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يافلان، مالك؟ ألم
تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول بلى، كنت أمر بالمعروف ولا
آتيه وأنهى عن المنكر وأتيه"
يقول الشاطبي رحمه الله في كتابه الموافقات: إن كل علم لا يفيد عملا، ليس في الشرع البتة ما يدل على استحسانه
وقال ابن السماك رحمه الله.
كم من مذكر بالله وهو ناس له.
وكم من مخوف بالله وهو جرىء على الله.
وكم من مقرب إلى الله وهو بعيد عن الله.
وكم من داع إلى الله وهو فار من الله.
وكم من تال لكتاب الله وهو منسلخ عن آيات الله.
كان مالك بن دينار رحمه
الله تعالى يقول "إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما
يزل القطر عن الصفا"، أي كما يزل الماء عن الحجر الأملس
الكلمات إذا لفحتها حرارة الصدق والإيمان وصلت إلى القلوب.
يجب العمل بالعلم، كم نسمع من الآيات والأحاديث؟ نعم لا بد من التأصيل العلمي و يجب أن نعمل.
إذا خالف القول الفعل بذرت بذور النفاق في القلب.
قال تعالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]
﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ *
كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف]
روى ابن عبد البر بسند ضعيف، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
( يا حملة العلم اعملوا به، فإن العالم من علم ثم عمل ووافق علمه عمله،
وسيأتي أقوامٌ يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف علمهم عملهم، وتخالف
سريرتهم علانيتهم، يقعدون حلقًا يباهي بعضهم بعضًا، حتى إن أحدهم ليغضب على
جليسه إن تركه جلس إلى غيره، أولئك لا ترفع أعمالهم تلك إلى الله عزّ
وجلّ ).
لا بد أن تعلم أن من شروط قبول العمل:
+أن يكون خالصا لله عز وجل.
يقول
ربنا - جلّ وعلا – كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه –
عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – في الحديث القدسي: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) وفى لفظ ابن ماجة بسند صحيح ( وأنا منه بريء وهو للذي أشرك )
و في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضى الله عنه- ( أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة ) وذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- من هؤلاء فقال: ( وعالم أو وقارئ للقرآن ) (
عالم وقارئ للقرآن فأتي به فعرفه نعمه؛ فعرفها، قال: فما عملت؟ قال:
تعلمت وعلمت، قال: كذبت، ولكنك تعلمت؛ ليقال هو عالم، وقد قيل، ثم أمر به
فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل قرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه،
فعرفها، قال: فما علمت فيها؟ قال: قرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك
قرأت؛ ليقال هو قارئ، فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار)
في الحديث الذي رواه
الإمام أحمد في مسنده، وبعض أصحاب السنن بسند صحيح من حديث محمود بن لبيد -
رضي الله عنه – أن - النبي صلى الله عليه وسلم – قال ( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال:( الرياء ) .
+أن يكون موافقا لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. رواه البخاري ومسلم