بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا, أَوْ غِنًى مُطْغِيًا, أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا, أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا, أَوْ مَوْتًا
مُجْهِزًا, أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ, أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ؟))
[أخرجه الترمذي في سننه]
هذا الحديث ورد في باب المبادرة إلى الخيرات، وفيه حثٌ على الإقبال على الله بالجد من غير تردد.
ومعنى كلمة: (بادروا), أي سابقوا، وربنا عزَّ وجل أشار إلى هذا المعنى في القرآن الكريم فقال:
﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾
[سورة آل عمران الآية: 133]
فإذا كنتَ في أزمة سكن حادة، وأنت بحاجة ماسة إلى بيت، وبلغك أن ثمة بيتًا في منطقة ممتازة، وسعره أقل من
سعر أمثاله، والبيت فارغ، وجاهز للسكن، وثمن هذا البيت تملكه، ماذا تفعل؟ أغلب الظن أنك تذهب إلى المعني
بالبيع في وقتٍ متأخرٍ من الليل، يقال لك: غداً، تقول: لا، لعل أحداً يسبقني إليه.
لو أنكم لاحظتم: كيف يتصرف الإنسان في أموره الدنيوية؟ وكيف يتسابق الناس إلى الخير، أو إلى ما يظنه
خيراً؟ كيف يسابق الناس؟ كيف يسارع؟ كيف يحب أن يفوز؟ كيف يحب أن يتفوَّق في الدنيا؟ الشيء الذي فيه مغنم
الناس يقبلون عليه.
النبي عليه الصلاة والسلام قال:
((بادروا بالأعمال...))
، كأن جوهر الحياة الدنيا العمل الصالح، والدليل: هؤلاء الذين يموتون على ماذا يندمون؟ قال تعالى:
﴿قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً﴾
[سورة المؤمنون الآية: 99-100]
فهذا الذي ندم عندما جاءه الموت، على ماذا يندم؟ على أنه فرَّط بالعمل الصالح، لذلك ربنا سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾
[سورة الأنعام الآية: 132]
والعمل الصالح يرفعك, قال تعالى:
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾
[سورة الكهف الآية: 110]
أنت وجدت في هذه الدنيا من أجل أن تعمل صالحاً، لمَ العمل الصالح؟ من أجل أن يكون هذا العمل الصالح
صالحاً لقبولك عند الله عزَّ وجل، من أجل أن يكون هذا العمل الصالح سبباً في دخول الجنة، لذلك جاء في تفسير
بعض الآيات:
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾
[سورة الليل الآية: 5-7]
(اليسرى): هو العمل الصالح الذي هو ثمن الجنة، فالإنسان لو أنه في الحياة الدنيا كسب مالاً وفيراً، وحقق نجاحاً
كبيراً، واعتلى أعلى الدرجات، وفاز بكل الملذات، وجاب مختلف الأقطار، وأكل أطيب الطعام، وسكن في أجمل
البيوت، ولم يكن له عملٌ صالح فهو خاسر، فهو أشد الناس خسارةً, قال تعالى:
﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾
[سورة الكهف الآية: 103-104]
نبيٌ كريم حريصٌ علينا يقول:
((بادروا بالأعمال....))
أحدنا يسأل نفسه هذا السؤال: أنا ما عملي؟ ما عملي الصالح؟
ربِحْنا اليوم أرباحاً طائلة، هذه لك، وتناولنا طعاماً
طيباً، هذا لك، لبست هذا الثوب الجيد، هذا لك، نريد ماذا فعلت ؟ ماذا قدَّمت؟ ما الذي قدَّمته للناس حتى يرضى
الله عنك؟ لأن الله سبحانه وتعالى لا يحب العبد إلا إذا كان ذا نفعٍ عميم,
((الخلق عيال الله, وأحبهم إلى الله, أنفعهم لعياله))
فهذا أمرٌ نبوي، ولا تنسوا أن سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول:
((ثلاثةٌ أنا فيهن رجل, وفيما سوى ذلك, فأنا واحدٌ من الناس: ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلا علمت أنه حقٌ من الله تعالى))
قال تعالى:
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾
[سورة النجم الآية: 3]
هذا النبي العظيم الذي وصفه الله سبحانه وتعالى, قال تعالى:
﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾
[سورة التوبة الآية: 128]
يقول لك هذا النبي, الحريص عليك، الرؤوف الرحيم:
اسأل نفسك هذا السؤال مساءً: ماذا فعلت من خير في هذا اليوم؟ تفتح محلاً تجاريًا، تزينه، تعرض بضاعة جيدة،
تعمل إعلانًا، تعمل لافتة، تنتظر في الأيام الأولى, فلا يأتي ولا زبون، في الأيام التالية بيع قليل، وبعدها تكتب
برسم التسليم إذا لم تربح، كذلك تسأل نفسك كل يوم: ماذا فعلت من خير في هذا اليوم؟.
يقول عليه الصلاة والسلام:
((لا بورك لي في يومٍ, لم أزدد فيه من الله قربًا -بالعمل الصالح- ولا بورك لي في يومٍ, لم أزدد فيه من الله
علماً))
فقبل أن تنام اسأل نفسك: ماذا فعلت اليوم فعلاً يرضي الله عزَّ وجل؟ هل عدت مريضاً؟ هل أنفقت مالاً؟ هل
عاونت فقيراً؟ هل عاونت أخاً لي؟ النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((واللهِ لأن أمشي في حاجة أخٍ مؤمن, أحب إلي من صيام شهرٍ, واعتكافه في مسجدي هذا))
يا ترى: هل خدمت أخًا؟ ساهمت في عمل خيري؟ دعوت إلى الله؟ نصحت إنسانًا؟ دللته على الله؟ ساعدت أرملة
من أقربائكم؟ قدمت لها مساعدة؟ رعيت يتيما؟ لك قريب بعيد فقير؟ زرته جبراً لخاطره؟ لك بنت أخ, وأخوك
توفى, يا ترى رعيتها؟ اعتبرتها ابنتك؟ بحثت لها عن زوج؟ وجَّهتها؟ نصحتها؟ أم قلت: لا علاقة لي؟.