وصايا ونصائح لتجنب الخلل في التفكير
أولاً : يجب علينا أن نتعلق بالله سبحانه وتعالى، ونسأله الهداية والتوفيق؛ فهو سبحانه الذي بيده قلوبنا وأفكارنا وشؤوننا كلها؛ فمن يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له، ولو وكل العبد إلى نفسه وعقله لخاب وخسر.
والأدعية في ذلك كثيرة منها:
قوله صلى الله عليه وسلم: «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين».
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اهدني فيمن هديت»
وقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم رب جبرائيل ومكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم»
وهنا يأتي دور الاستخارة وأهميتها في الهداية إلى الحق والصواب؛ لأن الله سبحانه هو الذي يعلم ولا نعلم، ويقدر ولا نقدر، وهو علام الغيوب.
ثانيـًا: إشغال الفكر بالغاية التي من أجلها خُلقنا؛ وهي عبادة الله وحده وتوحيده، وأن يكون همنا هو تقديم مرضاة الله عز وجل في كل أمر يشغل بالنا، وأن يكون ذلك هو محور اهتمامنا وتفكيرنا، وأن نفكر في كل ما من شأنه أن يقوي هذه الغاية ويزيد في إيماننا
ثالثًـا: إنشاء هم الآخرة وإعمال الفكر في هذه العمر القصير واشغاله في طاعة الله تعالى، والاستعداد ليوم الرحيل والوقوف بين يدي الله تعالى، ووزن كل شيء في هذه الدنيا بميزان الآخرة وبقائها واليقين بفناء الدنيا وزوالها.
رابعـًا: اجتناب الظن والهوى، ومحاسبة النفس على ذلك؛ فالهوى والظن وعدم التثبت هي من أخطر ما يكون على عقل العبد وفكره، إذ هي من أخطر الأسباب في رد الحق واتهام أهله بما هم منه براء؛ قال تعالى عن الكفار: (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى) . وهي التي توقع صاحبها في الجور والظلم والعدوان.
خامسًا: الحرص على البصيرة في الدين، والتفقه والعلم بشرع الله عز وجل، وترسيخ المعتقد الصحيح؛ إذ إن بعض مظاهر الخلل في التفكير إنما تنشأ من الجهل، واتباع الشبهات، كما وقع ذلك لكثير من أهل البدع. ولذلك كان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع وقراءة كتبهم.
سادسًا: الحرص على تدبر القرآن الكريم؛ ففيه العصمة بإذن الله تعالى من أسباب الخلل والزيغ، وفيه الميزان العدل والمنهج الصحيح للتفكير. وبقدر ما يبعد العبد عن كتاب الله عز وجل والاهتداء بهديه بقدر ما يقع في كثير من مظاهر الخلل في الفكر والقول والعمل.
سابعـاً:الحذر من العيش في الخيالات والأوهام والأحلام الفارغة، والتعامي عن حقائق الواقع. والخيال مفيد إذا كان بقدر ما يسعى إليه الإنسان في تطويره للواقع، وتجديد ما فيه في حدود القدرة. أما إذا حلَّق بصاحبه في أجواء المستحيلات، معرضًا عن السنن الإلهية، ومدى توفر الأسباب والإمكانات من عدمها؛ فإن هذا يقود إلى خلل في التفكير والقرارات والأعمال.
ثامــناً :الفراغ نعمة من نعم الله عز وجل؛ وذلك لمن ملأه بالخير الذي يعود عليه في الدنيا والآخرة، كما أنه نقمة وغبن وخسران لمن لم يستفد منه، أو ملأه بما يعود عليه بالشر في الدنيا والآخرة، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم:
«نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ».
وليست العبرة في ملأ الفراغ، ولكن العبرة بما يملأ به هذا الفراغ.
وعدم اشتغال الفكر والنفس بالعمل المفيد النافع يعود على الفكر بالخلل، وعلى العمل بالضياع فالفكر جوال لا يمكن أن يهدأ ويسكن فإن لم يشغل بالحق شغل صاحبه بالباطل.
وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى-:
«... فالقلب لا يخلو من الفكر إما في واجب آخرته ومصالحها، وإما في مصالح دنياه ومعاشه،
وإما في الوساوس والأماني الباطلة والمقدرات المفروضة. وقد تقدم أن النفس مثلها كمثل الرحى تدور بما يلقى فيها؛ فإن ألقيت فيها حبا دارت به، وإن ألقيت فيها زجاجًا وحصى وبعرًا دارت به»