[center]
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد :
اعلموا أنه في زماننا هذا قد كثرت الأسباب التي تقسو بها القلوب فاحذروها، ومن ذلك الانشغال بالدنيا، والانخداع بمظاهرها، والتفكه بملذاتها. ومن ذلك قلة ارتياد المساجد والجلوس فيها، وصرف أكثر الوقت في طلب الدنيا، والتمتع بها. ومن ذلك الانشغال برؤية المناظر الملهية أو المحرمة، التي تعرض على شاشة التلفاز أو الفيديو من الصور الفاتنة ومن الأفلام والمسلسلات، أو الصور التي في الصحف والمجلات، ومن ذلك استماع الملاهي من الموسيقى والمعازف والأغاني، التي كثر ترويجها والدعاية لها بين المسلمين، وهي أصوات محرمة، تنبت النفاق في القلب، وتزرع الشهوة في النفس، وتمنع من سماع القرآن؛ لأنه لا يجتمع الاستماع لقرآن الشيطان، وقرآن الرحمن، ومما يقسي القلب متابعة الألعاب الرياضية وتشجيعها ومشاهدتها والانشغال بها في غالب الوقت مما أصبح اليوم هو الشغل الشاغل لكثير من شباب المسلمين ومن افتتن بهذا العبث الذي لا فائدة من ورائه، ومما يقسي القلب كثرة المزاح والضحك والمرح والهزل، فيجب على المسلم أن يتنبه لهذه الأمور. ومن الأمور التي تقسي القلب المآكل والمشارب المحرمة؛ لأن تغذيتها خبيثة، وآثارها سيئة، تؤثر على الأخلاق والسلوك، وتكسل عن الطاعة، وتنشط على المعصية، وهذا ظاهر على أخلاق الذين يأكلون الربا والرشوة، ويشربون المسكرات والمخدرات، فإن آثار هذه الخبائث تظهر على أبدانهم وأخلاقهم وتصرفاتهم، والمعاصي عموماً تقسي القلب وتعميه، وتحجب عنه نور الإيمان والهداية، قال تعالى: { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } . وفي المسند وجامع الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن إذا أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلوا قلبه"، فذلك الران الذي ذكره الله – عز وجل -:{ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } ، قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
ومن الأمور التي تقسي القلب مصاحبة الأشرار والعصاة ومخالطتهم، فإن المرء من جليسه، وعن المرء لا تسأل واسأل عن قرينه، قال تعالى: { ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون }، وقد شبه النبي جليس السوء بنافخ الكير لابد أن ينال مُجالِسُه منه من الضرر ما يناله.
إن القلوب تقسو، فتكون كالحجارة أو أشد قسوة، فتبعد عن الله وعن رحمته وعن طاعته، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي، الذي لا ينتفع بتذكير، ولا يلين لموعظة، ولا يفقه مقالة، فيصبح صاحبه يحمل في صدره حجراً صلداً لا فائدة منه، ولا يصدر منه إلا الشر. ومن القلوب ما يلين ويخشع ويخضع لخالقه ويفقه ويقرب من الله ومن رحمته وطاعته، فيحمل صاحبه قلباً طيباً رحيماً يصدر منه الخير دائماً.
ولقسوة القلوب أو لينها أسباب يتعاطاها العبد، فمن أعظم أسباب تليين القلوب قراءة القرآن واستماعه، قال تعالى: { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } ، وقال تعالى: { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد }.
وقال الله تعالى: { الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله }.
وقال تعالى:{ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم }.
ففي هذه الآيات الكريمة أن القرآن العظيم أعظم ما يلين القلوب لمن أقبل على تلاوته واستماعه بتدبر، كما قال تعالى: { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله }، وأنه يجب على المسلمين الإقبال على كتاب ربهم تلاوة وتدبراً وعملاً، حتى تحصل لهم الهداية وحياة القلوب، ولا تشبهوا بأهل الكتاب الذين حملوا التوراة والإنجيل فأعرضوا عنهما، فقست قلوبهم بسبب ذلك، فلا يقبلون موعظة ولا تلين قلوبهم لوعد ولا لوعيد، ومن أعظم ما يلين القلوب تذكر الموت وزوال الدنيا والانتقال إلى الدار الآخرة، ومن أعظم ما يقسي القلوب الغفلة عن الآخرة ونسيان الموت والانشغال بالدنيا.
قال تعالى: {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " زوروا القبور فإنها تذكر الآخرة "، وقال عليه الصلاة والسلام: " أكثروا من ذكر هاذم اللذات: الموت "، وقال تعالى: { إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون }.
ومن أعظم ما يلين القلوب الاعتبار بما جرى ويجري للأمم الكافرة من الهلاك والدمار، ومن أعظم ما يقسيها الغفلة عن ذلك، قال تعالى: { فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }، ومما يلين القلوب الإكثار من ذكر الله – عز وجل – ومن أعظم ما يقسيها الغفلة عن ذكر الله.
قال تعالى: { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } ، وقال تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} ، وقال تعالى: { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً }، وقال تعالى: { واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين } ، ومن أعظم ما يلين القلوب قبول أوامر الله والعمل بها، واجتناب نواهيه، ومن أعظم ما يقسيها الإعراض عن أوامر الله ونواهيه قال تعالى: { وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم } فقبول الحق والعمل به سبب لهداية القلب وإيمانه، ورد الحق وترك العمل به سبب لزيغ القلب وطغيانه. قال الله تعالى: { ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ]. وقال الله تعالى: [ فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين } .
ومن أسباب لين القلوب واتعاظها التفكر والنظر في أحوال المرضى والفقراء والمبتلين، ومن أسباب قسوتها الاغترار بالصحة والقوة والغنى والثروة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " انظروا إلى من هو دونكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم "، وقال تعالى – عن عاد الذين غرتهم قوة أجسامهم وكثرة أموالهم: { فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون } .
فلو زار الإنسان المستشفى، ورأى أحوال المرضى وما يقاسونه من الآلام، ولو نظر إلى الفقراء والأيتام، وما هم فيه من الحاجة والمجاعة، لعرف قدر نعمة الله عليه ولان قلبه، لكن حينما يصرف النظر عن ذلك، وينظر إلى أهل الترف والغنى، وما بأيديهم من زهرة الحياة الدنيا، فإنه يقسو قلبه ويتعاظم في نفسه، وقد أمر الله نبيه أن يجالس فقراء المسلمين والمستضعفين من المؤمنين، وأن لا يتجاوزهم إلى أصحاب الثراء والغفلة، قال تعالى: { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا }.
فاتقوا الله – عباد الله – وخذوا بالأسباب التي تحيا بها القلوب قبل أن تقسو وتموت، فإن ذلك هو مناط سعادتكم أو شقائكم.. وبالله التوفيق.
منقوووووووووووووووووووووول