مصحف البحر الميت(الجزء الأول)د/أبراهيم السكران
- مدخل:
الحمدلله وبعد،،
ماذا يجري في الصحافة السعودية هذه الأيام؟ حسناً .. تأمل معي هذا التصفيق الحار في الصحافة السعودية:
-(أعتقد دون مبالغة أن أركون المجدد الأكبر للإسلام في عصرنا الراهن) [الشرق الأوسط، 16 سبتمبر 2010]
-(أركون من الكبار الذين كانوا يجاهدون في بث النور، وإحلاله محل الظلمة الكالحة في عالمنا العربي) [الوطن، 18سبتمبر 2010]
- (يظل أركون مشعلاً حقيقياً ) [الوطن، 17 سبتمبر 2010]
-(يهدف أركون إلى استخلاص التجربة الروحية الكبرى للإسلام وتنقيتها من كل ما علق بها على مدار تاريخ المسلمين) [الرياض، 19سبتمبر2010]
-(أركون أول من قدم نقدا للتفكير الخرافي المعارض للمعرفة، وبدد هيمنة الأسطورة في العقل العربي-الإسلامي) [الرياض، 16سبتمبر2010]
-(أركون أحد حكماء المسلمين الكبار) [الشرق الأوسط، 17 سبتمبر 2010]
-(خلال الأيام الثلاثة الأخيرة اشتغلت بكل ما كان متاحاً، ورقياً أو إلكترونياً، بتوديع ثقافتنا لرمز عالمي مثل الراحل الأخير محمد أركون) [الوطن 19سبتمبر2010]
-(أركون أحد هذه الهامات الفكرية من المشهد الثقافي والفكري العربي) [صحيفة اليوم، 19 سبتمبر2010]
-(عمل محمد أركون طوال أكثر من نصف قرن على تقديم قراءة جديدة للإسلام، قراءة تستند إلى مرجعيات ومناهج علمية) [الحياة 16 سبتمبر2010]
-(ساهمت -أفكار أركون- بقوة في الدفاع عن القيم الإسلامية النبيلة ) [الشرق الأوسط، 16سبتمبر 2010]
-(نجح أركون في العودة بالإسلام إلى طابعه الإنساني) [الشرق الأوسط 18سبتمبر 2010]
هذه نماذج فقط، ويمكن مراجعة الصحافة السعودية خلال الأسبوع الماضي لتسمع أضعاف هذه الطبول.
حسناً .. لماذا هذه الدعاية الصحفية السعودية لأركون؟ ماذا وراء هذا الإمعان في التلميع والمغالاة في ألفاظ المديح لشخصية محمد أركون؟ لماذا تعرض الصحافة السعودية أركون باعتباره: المجدد الأكبر، المجاهد لبث النور ومكافحة الظلام، المشعل الحقيقي، حكيم الاسلام الكبير، الهامة الفكرية، معيد الاسلام لطابعه الانساني، صاحب المنهج العلمي في دراسة الإسلام، الخ الخ ؟
ماذا وراء حفلة الإطراء هذه ياترى؟ لماذا تسكب هذه الأوصاف التبجيلية بهذه الحمولة المتجاوزة للوزن المسموح به؟ هذا قطعاً ليس ممارسة عفوية، وليس حدثاً عشوائياً غير مفهوم، بل هذا التمجيد إنما هو لاعتبارات تتعلق بفكر هذا الشخص الممجّد ذاته، هذا يعني أننا لا يمكن أن نصل لتفسير هذه الدعاية إلا بمعرفة ماذا يريد أركون نفسه؟
إذن لننتقل إلى إلقاء الضوء على شئ من أفكار أركون، وقبل أن ننتقل لذلك أحب التنويه إلى أنني تعمدت إغفال أسماء الكتّاب لهذه الشواهد الصحفية السابقة لأنني لست معنياً بآحاد وأفراد هؤلاء الكتّاب، وإنما المراد تفسير كامل البنية الإعلامية السعودية وكيف تصنع مثل هذه التوجهات، نريد تناول الإعلام السعودي كنظام ينتج المعرفة بطريقةٍ ما ويروجها للقارئ المحلي، ولذلك جعلت الشواهد السابقة معمّاة الكاتب عمداً لتجريدها من ارتباطاتها الآحادية والفردية، وتحويلها إلى مجرد نماذج لنظام إعلامي.
-مشروع مصحف البحر الميت:
جوهر مشروع أركون هو (إعادة دراسة القرآن على ضوء العلوم الإنسانية)، ويتصور البروفيسور محمد أركون أنه لا يوجد اليوم على وجه الأرض نص صحيح للقرآن، وأن النص القرآني الموجود اليوم نص محرّف، وأن النص الأصلي شبه مفقود، لكن ما الحل في نظر أركون؟ من أطرف مشروعات أركون لحل هذه المشكلة التي يراها أنه لا يمكن أن نصل للنص الصحيح للقرآن إلا إذا وصلنا إلى مخطوطات موجودة في البحر الميت، هذه المخطوطات اللاهوتية في البحر الميت ستوصلنا إلى النص الصحيح للقرآن، كما يقول أركون:
(لنذكر الآن المهام العاجلة التي تتطلبها أية مراجعة نقدية للنص القرآني..، أي نقد القصة الرسمية لتشكيل القرآن، هذا يتطلب منا الرجوع إلى كل الوثائق التاريخية سواءً كانت ذات أصل شيعي أم خارجي أم سني، هكذا نتجنب كل حذف تيولوجي لطرف ضد آخر، بعدها نواجه ليس فقط مسألة إعادة قراءة هذه الوثائق، وإنما أيضاً محاولة البحث عن وثائق أخرى ممكنة الوجود كوثائق البحر الميت التي اكتشفت مؤخراً) [تاريخية الفكر العربي الإسلامي، أركون، 290]
إذن المصحف الموجود بين أيدينا مصحف ناقص، ونحتاج إلى مصحف مبني على مخطوطات البحر الميت.
ليس ذلك فقط، بل يرى أركون أن جزءاً من القرآن موجود في خزائن غامضة في الهند واليمن، وإذا استطعنا الوصول لهذه الخزائن فربما أمكننا إعادة كتابة القرآن، كما يقول أركون:
(يفيدنا في ذلك أيضاً سبر المكتبات الخاصة عند دروز سوريا، أو إسماعيلية الهند، أو زيدية اليمن، أو علوية المغرب، يوجد هناك في تلك المكتبات القصية وثائق نائمة متمنعة، مقفل عليها بالرتاج، الشئ الوحيد الذي يعزينا في عدم إمكانية الوصول إليها الآن هو معرفتنا بأنها محروسة جيداً) [تاريخية الفكر العربي الإسلامي، أركون، 291].
أركون حزين لأن الآيات القرآنية التي يمتلكها الرافضة في خزائن سرية في الهند واليمن لا نستطيع الوصول إليها لمعرفة النص الصحيح للقرآن، لكن أركون –أيضاً- للأمانة، ليس حزيناً جداً، لأن هذه الخزائن الخطيرة مربوطة بحراسات مشددة، فربما يفتحها الرافضة لنا يوماً فنصل للنص الصحيح للقرآن.
حسناً .. لدينا الآن مصدران هامان لمعرفة نص القرآن الصحيح بحسب أركون، أولهما: مخطوطات البحر الميت، والثانية: الخزائن السرية في الهند واليمن.
وأنا أقرأ هذا الكلام لأركون لا أدري لماذا تذكرت كتباً كانت منذ زمن تباع على الأرصفة عناوينها: مثلث برمودا، لغز يحير العالم، الأطباق الطائرة ومخلوقات الفضاء، تنبؤات نوستراداموس، الخ الخ.
ويرى أركون أن هناك مخطوطات ثمينة تدلنا على النصوص المفقودة للقرآن قد تم تدميرها، كما يقول:
)يبدو لي أنه منالأفضل أن نستخلص الدروس والعبر من الحالة اللامرجوع عنها، والتي نتجت عنالتدمير المنتظم لكل الوثائق الثيمنة الخاصة بالقرآن، اللهم إلا إذا عثرنا على مخطوطات جديدة توضح لنا تاريخ النص وكيفية تشكله بشكل أفضل) [الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، أركون، 45]
ولكون أركون يتحدث كثيراً عن مخطوطات مفقودة وأخطاء في نص القرآن؛ فإنه يعتقد أننا يجب أن ننجز "طبعة محققة" من القرآن تتجاوز أخطاء النسخ الموجودة بين أيدينا اليوم، ولكنه يتحسر أن المستشرقين المعاصرين لم يعودوا يفعلون ذلك كما كان يفعله قدماء المستشرقين، كما يقول أركون:
(المعركة التي جرت من أجل تقديم طبعة نقدية محققة عن النص القرآني؛ لم يعد الباحثون يواصلونها اليوم بنفس الجرأة كما كان عليه الحال في زمن نولدكة الألماني وبلاشير الفرنسي) [الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، أركون، 44]