التكافل الاٍجتماعي في الإسلام
- التكافل الاٍجتماعي من القيم التي جاء الإسلام لترسيخها وتثبيتها وتربية الأفراد عليها بل هي القاعدة الأساسية بعد العقيدة.ويقصد بالتكافل الاٍجتماعي : التعاون والتضامن الذي يكون بين أفراد المجتمع ومد يد المساعدة للفئة المحتاجة والمتضررة، لتحقيق العدالة والحفاظ على المصالح العامة والخاصة ودفع المفاسد والأضرار المادية والمعنوية، كل حسب استطاعته وانطلاقا من مركزه ومسؤوليته التي أنيط بها .
- ومن أهداف التكافل الاٍجتماعي: القضاء على الفقر والتخلف والفساد الذي يعكر صفو المجتمع ويتسبب في انتكاساته الدائمة وعرقلة مسيرته نحو التطور والنمو وبلوغ الصدارة في كل المجالات الحيوية والاقتصادية والتجارية......
-
- فالمجتمع المسلم هو المستحق الأول والجدير بأن يحمل لواء القمة في التكافل الاٍجتماعي وله أن يفتخر بذالك، لأن الله عز وجل يقول في محكم التنزيل "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ « آل عمران 110.
بل يتعدى ذالك الى الريادة والقيادة .قال الله عز وجل " وكذاك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس وليكون الرسول عليكم شهيدا"سورة البقرة.فالآسلام لم يحصر مجال التعا ون بين المسلمين فقط بل شمل حتى الأمم الأخرى بأطيافها شرط ألا يكونوا معتدين مصداقا لقوله تعالى
"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم "الممتحنة 8
- ومن هذا المنطلق نلتمس عظمة هذا الدين وشموليته وأهليته لتحقيق التكافل الاٍجتماعي بكل مستوياته . المادية والمعنوية والفكرية .حيث يكون أفراد مجتمعاته متماسكين مكملين بعضهم البعض صامدين كالبنيان المرصوص ولقد ضرب لنا الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه مثلا رائعا وصورة غاية في الدقة والتناسق للكيفية التي يجب أن يكون عليها هذا المجتمع. فقد قال عليه الصلاة والسلام "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " [ البخاري و مسلم .
- حدد الإسلام عدة مجالات وأسس للوصول إلى التكافل المنشود في بناء المجتمع،
سالكا منهج التدرج حيث يبدأ المسلم بتهيئ نفسه وذاته أولا لحمل مشعل التغيير الايجابي في سلوكه وأخلاقه
وفي إصلاح علاقته مع الله من جانب ومع الناس من جانب آخر، مستمدا روحه وثقافته وغداءه الروحي من العقيدة، حتي يصير ربانية التفكير والسلوك ، مصداقا لقوله تعالى : "قال الله تعالى : " ونفس وما سوها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسها " [ الشمس : 7 ]
وقال أيضا عز وجل "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين " [ القصص : 77 ] لينتقل بذالك سالكا دائما منهج التدرج إلى تحقيق التكافل من نوع آخر، ألا وهو التكافل الأسري :
إن مجال التكافل داخل الأسرة واسع النطاق وذا أهمية بمكان، لأن الأسرة هي النواة الأولى لبناء المجتمعات. فقد أمر الإسلام كلا من الزوجين بالقيام بواجباتهم، كل حسب طبيعته وقدراته.وأسس قواعد وقوانين يتمسك بها كل منهما لحفظ الحقوق والواجبات وخلق المناخ السليم لتربية النشأ والجيل الجديد، لكي يكون مؤهلا لخدمة المجتمع .ولأجل تلك الغاية سطر الإسلام مجموعة من المعايير التي يجب أن تستند عليها العلاقات الأسرية اٍبتداءا بالنواة الأولى للأسرة( الزوجين )الذي قدس الإسلام ارتباطهما من خلال الآية الكريمة قال تعالى "وأخذنا منكم ميثاقا غليظا"
وعمل على تقوية هذا الميثاق بإرساء عدة مبادئ وقيم من جملتها :
أ-حفظ الحقوق بين الزوجين والاٍحترام المتبادل بينهما ،قال تعالى"ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف " البقرة : 228
ب- حسن اختيار الزوج والزوجة:
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " [ البخاري ]،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" [ ابن ماجة ]
ج- حسن المعاشرة : فقد قال الله تعالى :" وعاشروهن بالمعروف " [ البقرة : 231 ] وقال الله تعالى : " فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف" [ البقرة : 231 ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم " [ الترمذي ] وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس معاشرة لأزواجه وأحسن الناس رفقا بهم . وكان يمازحهن ويساعدهن في أعمالهن ويسامحهن فيما يقع منهن من أخطاء وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " [ ابن ماجه ]
د- القوامة :وتشمل مجال النفقة وتنظيم الجانب المادي بين الزوجين والذي يتحمل فيه الرجل المسؤولية الأساسية
لتلبية حاجيات أسرته لضمان التعايش والاٍستمرارية الفطرية قال الله تعالى : " لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ، لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا " [ الطلاق : 6 ]
ه- العناية بالتربية والنشأ السليم:وهذا المحور مهم للغاية ومن أجله تجند الكفاءات لأنه جيل المستقبل والواجهة التي ستظهر عليها الأمة إما سلبا وإما إيجابا ولذالك أعطاها الشرع أهمية كبرى حيث قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح :
" إن الله رفيق يحب الرفق , وإن الله يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف "
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك " قلت ثم أي ؟ قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قلت ثم أي ؟ قال أن تزاني بحليلة جارك "
وبعد هذه الخطوات المهمة لنطاقات التكافل الاٍجتماعي سواء الفردي منه او الأسري نفهم أن الإسلام تدرج بالإنسان المسلم خطوة خطوة ليصل به الى مستوى راق من المبادىء والأخلاق ليبلغ بذالك سنام الأمر وذروته ألا وهو التكافل بين الجماعة وفيه يظهر التآزر والرحمة والشفقة والإيثار والشهامة والكرم والعطاء بلا حدود والأمانة وكل القيم التي تخدم الصالح العام والتعاون بين الطبقات والفئات بتنوعها واختلافها .
ولتنظيم هذا النوع من التكافل وضمان استمرار يته عبر العصور سن الإسلام عدة منابع ومصادر نذكر منها مايلي على سبيل المثال لا الحصر :
أولا المادية : أهمها الزكاة ،الصدقة ، الوقف، الهبات......
ثانيا المعنوية :بر الوالدين ،الاٍعتناء بالمسنين ،كفالة الأيتام ،الإحسان للفقراء والمساكين،رعاية حق الجار،حقوق الضيف والغريب،ويمكن تلخيص هذا كله بما يسمى حديثا بحقوق الإنسان .
غدا التكافل الاٍجتماعي من المواضيع المهمة التي ألفت فيها عدة كتب ومراجع ومهما قلنا أو كتبنا لن نفي هذا الموضع حقه .والمتأمل لحال المجتمعات المسلمة اليوم ويقارنها بالمجتمع المسلم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو في فترة حكم الصحابة وحتى التابعين يستنتج أن هناك فرق شاسع وثغرة كبيرة جدا، نظرا لأن المجتمع الأول طبق التكافل بكل صدق وأمانة ودقة وشمولية أما المجتمع الثاني الذي نحن فيه اليوم فبعيد كل البعد عن المعاني السامية، لتكافل الاٍجتماعي الراقي. والدليل على ذالك هو الفساد المنتشر الذي كان سببه الحركة الاٍمبريالية التي تعرض لهل غالبية الدول العربية ثم تولي زمام أمورها حكام وأمراء فاسدون ضعفاء مقلدون وتابعون للغرب بشكل أعمى وكذالك البعد عن الشريعة وقيم الدين وانتشار الرشوة وحانات الخمور ومجالس المجون والنصب والاٍحتيال ....
والنتيجة الحتمية والمؤكدة لذالك تضييع حقوق الإنسان والحيلولة دون القيام بالتكافل أو انعدامه .إن من دواعي الألم والحزن هو ما نشاهده في مجتمعنا المسلم من حروب .وأيتام مشردين وظاهرة ما يعرف بأطفال الشوارع- أهكذا يفعل بأمة محمد(ص) طفل مسلم يبحث في القمامات لعله يحصل ما يسد به رمقه من شدة الجوع- أو ما أصبحنا نسمع عنه الآن من الإلقاء بالآباء وكبار السن في دور العجزة أو من ارتفاع لنسبة الطلاق وغالبا ما يكون سببه مادي إلى غيره من مشاهد الحسرة والظلم .ولا سبيل للخلاص من هذه الآفات المدمرة إلا بالرجوع للقيم والتصالح مع الله وفهم مدى أهمية التكافل الاٍجتماعي .
لازال التكافل الاٍجتماعي وسيبقى السمة الأساسية لبناء الحضارة الإسلامية وامتدادها عبر العصور .وبها يحقق الإنسان الخلافة في الأرض وفقا وسيرا على المنهاج الرباني المنير قال تعالى "فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة اله تحويلا " سورة فاطر
اٍمضاء أم ياسين