قال البخاري رحمه الله في كتاب فضائل الصحابة رضوان الله عليهم:
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي " صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال: متى الساعة؟ قال: وماذا أعددت لها؟ قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنت مع من أحببت". قال أنس: فما فرحنا بشيء فزحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت مع من أحببت"، قال أنس: فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن أ أعمل بمثل أعمالهم

شرح الحديث:


1- قوله: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، وفي بعض روايات حديث أنس عند البخاري أن رجلا من أهل البادية، وهذا الرجل نص الحافظ في الفتح أنه ذو الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد وقال إن حديثه بذلك مخرج عند الدارقطني انتهى. والحديث عند الدارقطنى: عن عبد الله وهو ابن مسعود قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيخ كبير فقال يا محمد متى الساعة فقال:"وما أعددت لها "قال: لا والذي بعثك بالحق نبيا ما أعددت لها من كبير صلاة ولا صيام إلا أني أحب الله ورسوله قال: "فإنك مع من أحببت". قال: فذهب الشيخ فأخذ يبول في المسجد الخ.
2- قوله: وماذا أعددت لها، أي ما العمل الصالح الذي أعددته لتلقى جزاءه إذا قامت الساعة. قال الحافظ: قال الكرماني: سلك مع السائل أسلوب الحكيم وهو تلقى السائل بغير ما يطلب مما يهمه أو هو أهم.
3- قوله: أنت مع من أحببت، قال الحافظ في الفتح: أي ملحقبهم حتى تكون من زمرتهم وبهذا يندفع إيراد أن منازلهم متفاوتة فكيف تصح المعية؟ فيقال: إن المعية تحصل بمجرد الاجتماع في شيء ما ولا تلزم في جميع الأشياء، فإذا اتفق أن الجميع دخلوا الجنة صدقت المعية وإن تفاوتت ا لدرجات.
4- قول أنس رضي الله عنه: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي وعتق أنت مع من أحببت، وفي صحيح مسلم قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قول النبي ! فإنك مع من أحببت.
5- قوله: فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، جمع أنس رضي الله عنه بين النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه في المحبة، ومحبتهما رضي الله عنهما من محبة الرسول يا لأن المحبة الصادقة تقتضى موافقة المحبوب في محبة ما يحبه وبغض ما يبغضه، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما حبيباه وصاحباه رضي الله عنهما، وقد قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}
وقد جمع الله بين النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما في الدنيا وفي التربة في البرزخ وهما معه في الجنة، وهما أفضل من ولدته النساء بعد الأنبياء والمرسلين، وأفضلهما الصديق رضي الله عنه وبعد عمر في الفضل عثمان رضي الله عنه، ثم على رضي الله عنه وعن سائر الصحابة أجمعين.
6- من فقه الحديث وما يستنبط منه:
1- الرجوع إلى العلماء وسؤالهم عن أمور الدين.
2- رفق العالم بالسائل وتوجيه عنايته إلى ما يعود عليه بالفوائد العظيمة.
3- كمال نصح الرسول هشيم وشفقته على أمته وإرشادهم إلى ما فيه فوزهم وسعادتهم.
4- أن من حسن إسلام المرء اشتغاله بما يعنيه وتركه ما لا يعنيه.
5- أن الاستعداد للدار الآخرة والعمل لما بعد الموت هو الشيء المهم الذي يجب أن تصرف إليه الهمم.

6- احتقار الإنسان لعمله وعدم اغتراره به وتيقنه أنه دائما محل التقصير.
7- عظم شأن محبة الله ورسوله، وفي الحديث الصحيح: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، الحديث.
8- حسن تصرف السائل وتسديده في الإجابة لما أعيد عليه السؤال.
9- توجيه عناية المسلم إلى محبة الحق وأهله ليحظى بالسعادة، لأن المرء مع من أحب.
10- عظم قدر الصحابة رضوان الله عليهم وحرصهم على الخير وبعدهم عن الشر وذلك في شدة فرحهم رضوان الله عليهم بقوله صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت.
11- أن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم للواحد خطاب للجميع ما لم يدل دليل على التخصيص.
12- فضل أبى بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما، ومن أجل ذلك أورد البخاري هذا الحديث في مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
13- تعظيم الصحابة رضي الله عنهم لأبى بكر وعمر رضي الله عنهما ومحبتهم لهما ومعرفتهم قدرهما رضي الله عن الجميع.
14- في قول أنس رضي الله عنه: وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، دلالة على توسل الإنسان إلى الله بعمله الصالح، وقد دل على ذلك أيضاً حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار.


للشيخ عبد المحسن العباد
من كتاب عشرون حديثا من صحيح البخاري دراسة اسانيدها وشرح متونها