قال العلامة المناوي في ( فيض القدير ) ( 1/228 ) :
( ( ادعوا ) بهمزة وصل مضمومة ( الله ) المنفرد بالإعطاء والمنع والضر والنفع فذكره هنا أنسب من ذكر الرب أي اسألوه من فضله من الدعاء وهو استدعاء العبد ربه العناية
واستمداده منه المعونة وحقيقته إظهار الإفتقار إليه والتبرؤ من الحول والقوة وهو سمة العبودية واستشعار الذلة البشرية وبه رد على من كره الدعاء من الصوفية وقال الأولى السكوت والرضا والجمود تحت جريان الحكم والقضاء وهذا الحديث نص في رده والذي عليه جمهور الطوائف أن الدعاء أفضل مطلقا لكن بشرط رعاية الأدب والجد في الطلب والعزم في المسألة
والجزم بالإجابة كما أشار إليه بقوله ( وأنتم موقنون ) جازمون ( بالإجابة ) بأن تكونوا على حال تستحقون فيه الإجابة بخلوص النية وحضور الجنان وفعل الطاعات بالأركان وتجنب المحظور والبهتان وتفريغ السر عما سوى الرحمن أما سمعته يقول { وجاء بقلب منيب } أي راجع إليه عما سواه من إظهار الانكسار والاضطرار ورفض الحول والقوة وغلبة ظن
الإجابة بحيث تكون أغلب على القلب من الرد لأن الداعي إذا لم يكن جازما لم يكن رجاؤه صادقا وإذا لم يصدق الرجاء لم يخلص الدعاء إذ الرجاء هو الباعث على الطلب ولا يتحقق الفرع
بدون تحقق الأصل ولأن الداعي إذا لم يدع ربه على يقين أنه يجيبه فعدم إجابته إما لعجز المدعو أو بخله أو عدم علمه بالابتهال وذلك كله على الحق تقدس محال . قال الطيبي : وقيد
الأمر بالدعاء باليقين والمراد النهي عن التعرض بما هنا مناف للإيقان من الغفلة واللهو والأمر بضدهما من إحضار القلب كما تقرر أولا والجد في الطلب بالعزم في المسألة فإذا حصل
حصل اليقين ونبه على ذلك بقوله ( واعلموا أن الله ) زاد في رواية الترمذي تبارك وتعالى ( لا يستجيب ) أي لا يجيب قال في النهاية : المجيب الذي يقابل الدعاء والسؤال بالقبول
والعطاء ( دعاء ) بالمد ( من قلب غافل ) بالإضافة ويجوز عدمها وتنوينها ( لاه ) أي لا يعبأ بسؤال سائل غافل عن الحضور مع مولاه مشغوف بما أهمه من دنياه ونظيره قوله تعالى { ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } نهاهم عن الموت على غير دين الإسلام وليس بمقدورهم لكنه أمر بالثبات عليه بحيث إذا أدركهم الموت على تلك الحالة والتيقظ والجد في الدعاء من
أعظم آدابه قال الإمام الرازي : أجمعت الأمة على أن الدعاء اللساني الخالي عن الطلب النفساني قليل النفع عديم الأثر . قال : وهذا الاتفاق غير مختص بمسألة معينة ولا بحالة مخصوصة <تنبيه> قال الكمال ابن الهمام : ما تعارفه الناس في هذه الأزمان من التمطيط والمبالغة في الصياح والإشنغال بتحريات النغم إظهارا للصناعة النغمية لا إقامة للعبودية فإنه
لا يقتضي الإجابة بل هو من مقتضيات الرد وهذا معلوم إن كان قصده إعجاب الناس به فكأنه قال اعجبوا من حسن صوتي وتحريري ولا أرى أن تحرير النغم في الدعاء كما يفعله القراء
في هذا الزمان يصدر ممن يفهم معنى الدعاء والسؤال وما ذاك إلا نوع لعب فإنه لو قدر في الشاهد سائل حاجة من ملك أدى سؤاله وطلبه بتحرير النغم فيه من الخفض والرفع والتطريب والترجيع كالتغني نسب البتة إلى قصد السخرية واللعب إذ مقام طلب الحاجة التضرع لا التغني فاستبان أن ذاك من مقتضيات الخيبة والحرمان ) .